﴿قالوا﴾ أي : الملائكة إقراراً بالعجز وإشعاراً بأنّ سؤالهم كان استفساراً ولم يكن اعتراضاً وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهاراً لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما التبس عليهم ﴿سبحانك﴾ تنزيهاً عن الاعتراض عليك ﴿لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾ إياه وفي هذا مراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه سبحانه وتعالى وتصدير الكلام بسبحان إعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال فإنه تعالى منزه عن أن يفعل ما يخرج عن الحكمة، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه الصلاة والسلام :﴿سبحانك تبت إليك﴾ (الأعراف، ١٤٣) وقال يونس عليه الصلاة والسلام :﴿سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ (الأنبياء، ٨٧).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢
تنبيه : اجتمع في قوله تعالى :﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ أربع مدّات، الأولى : أنبئوني، والثانية بأسماء، والثالثة والرابعة هؤلاء إن، فالأول مدّ بدل، والثاني مدّ متصل، والثالث مدّ منفصل، والرابع مخير لا متصل قطعاً ولا منفصل قطعاً عند من يقول بإسقاط إحدى الهمزتين، فأمّا الأوّل فلورش فيه المدّ والتوسط والقصر، وأمّا الثاني فبالمدّ للجميع لأنه متصل، وأمّا الثالث ففيه المدّ والقصر كما تقدّم لأنه منفصل، وأمّا الرابع وهو أولاء إن ففيه همزتان مكسورتان من كلمتين فقالون والبزي يسهلان الأولى مع المدّ والقصر، وورش وقنبل يسهلان الثانية ويجعلانها حرف مدّ، وأبو عمرو يسقط الأولى والثانية فمن قال بإسقاط الأولى مدّ وقصر، ومن قال بإسقاط الثانية فبالمدّ فقط، وباقي القرّاء يحققون الهمزتين وهم على مراتبهم في المدّ ﴿إنك أنت العليم﴾ الذي لا يخفى عليه خافية ﴿الحكيم﴾ المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة، وأنت ضمير فصل، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت وإن لم يجز مررت بأنت إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢
٥٦
﴿قال﴾ تعالى :﴿يا آدم أنبئهم﴾ أي : أخبر الملائكة ﴿بأسمائهم﴾ أي : المسميات فسمى آدم كل شيء باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ﴿فلما أنبأهم بأسمائهم قال﴾ الله تعالى لهم موبخاً ﴿ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض﴾ أي : ما غاب فيها ﴿وأعلم ما تبدون﴾ أي تظهرون من قولكم :﴿أتجعل فيها﴾ إلخ :﴿وما كنتم تكتمون﴾ أي : تسرون من قولكم : لن يخلق أكرم عليه منا ولا أعلم، وقيل : ما أظهروا من الطاعة وأسره إبليس من المعصية، والهمزة في ﴿ألم أقل﴾ للإنكار بمعنى النفي دخلت على حرف الجحد فأفادت الإثبات والتقرير.
تنبيه : هذه الآيات وهي آية ﴿وعلم آدم﴾ وآية ﴿سبحانك﴾ وآية ﴿قال يا آدم﴾ تدل على شرف الإنسان ومزية العلم وفضله على العبادة وإلا لأظهر فضل آدم بها، وأن العلم بما يستخلف فيه شرط في الخلافة بل العمدة فيها، وأن التعليم يصح إسناده إلى الله تعالى وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه بمن يحترف به وأنّ اللغات توقيفية، فإن الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو عموم وتعليمها ظاهر في إلقائها على المتعلم مبيناً له معانيها وذلك يستدعي سابقة وضع، والأصل ينفي أن يكون ذلك الوضع ممن كان قبل آدم من الملائكة والجنّ فيكون من الله وأنّ مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم لتغاير المتعاطفين وإلا لتكرر قوله :﴿إنك أنت العليم الحكيم﴾، وأنّ علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة وأنّ آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم والأعلم أفضل لقوله تعالى :﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ (الزمر، ٩) وأن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها لأنه أخبر عن علمه تعالى بأسماء المسميات جميعها ولم تكن موجودة قبل الإخبار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦


الصفحة التالية
Icon