﴿والذين آمنوا﴾ أي : بالله ورسوله وما أتى به ﴿وهاجروا﴾ في الله تعالى من يعادي نبيه ﷺ سابقين ﴿وجاهدوا في سبيل الله﴾ بما تقدّم من المال والنفس وغيرهما، فبذلوا الجهد في إذلال الكفار ولم يذكر آلة الجهاد ؛ لأنها مع تقدّم ذكرها لازمة ﴿والذين أووا﴾ أي : من هاجر إليهم ﴿ونصروا﴾ أي : حزب الله ﴿أولئك هم المؤمنون﴾ أي : الكاملون في الإيمان ﴿حقاً﴾ أي : لأنهم حققوا إيمانهم بتحقيق مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق ثم وعدهم الموعد الكريم بقوله تعالى :﴿لهم مغفرة﴾ أي : لزلاتهم وهفواتهم ؛ لأن مبنى الآدمي على العجز اللازم عند التقصير وإن اجتهد ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦٧
ولما ذكر تطهيرهم بالمغفرة ذكر تزكيتهم بالرحمة بقوله تعالى :﴿ورزق﴾ أي : من الغنائم وغيرها في الدنيا والآخرة ﴿كريم﴾ أي : لا تبعة ولا منة فيه ثم الحق بهم في الأمرين من يستلحق بهم ويتسم بسمتهم بقوله تعالى :
﴿والذين آمنوا من بعد﴾ أي : بعد السابقين إلى الإيمان والهجرة ﴿وهاجروا﴾ أي : لاحقين
٦٦٩
للسابقين، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم من هاجر بعد الحديبية قال : وهي الهجرة الثانية ﴿وجاهدوا معكم﴾ أي : من تجاهدونه من حزب الشيطان ﴿فأولئك منكم﴾ أي : من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار فلهم ما لكم وعليهم ما عليكم من المواريث والمغانم وغيرها لأنّ الوصف الجامع هو المدار للأحكام وإن تأخرت رتبتهم عنكم بما أفهمته أداة البعد ﴿وأولوا الأرحام﴾ أي : ذووا القرابات ﴿بعضهم أولى ببعض﴾ قال ابن عباس : كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية فبين الله تعالى بها أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء ونسخ بها ذلك التوارث وقوله تعالى :﴿في كتاب الله﴾ أي : في حكمه في اللوح المحفوظ أو القرآن وتمسك أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى بهذه على توريث ذوي الأرحام وأجاب عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه بأنه لما قال في كتاب الله كان معناه في حكم الله الذي بينه في سورة النساء، فصارت هذه السورة مقيدة بالأحكام التي ذكرها في سورة النساء في قسمة المواريث وإعطاء أهل الفروض فروضهم وما بقي فللعصبات فوجب أن يكون المراد من هذا هو ذاك فقط فلا يتعدّى إلى توريث ذوي الأرحام ثم قال تعالى في ختم السورة ﴿إن الله بكل شيء عليم﴾ أي : إن هذه الأرحام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب وصلاح وليس فيها شيء من العبث والباطل لأنّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب ونظيره أنّ الملائكة لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال الله تعالى مجيباً لهم :﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ أي : كما علمتم بكوني عالماً بكل المعلومات فاعلموا أنّ حكمي يكون منزهاً عن الغلط فكذا هنا وقول البيضاوي في بعض النسخ تبعاً للزمخشريّ، وعن النبيّ ﷺ "من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة وشاهد أنه بريء من النفاق وأعطي عشر حسنات بعدد كل منافق ومنافقة وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته في الدنيا" حديث موضوع.
٦٧٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦٧


الصفحة التالية
Icon