شأنه وأمره ومن لا تطب نفسه ليعطنا وليكن قرضاً علينا أي : بمنزلة القرض حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه فقالوا : رضينا وسلمنا فقال : إني لا أدري لعلّ فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٦
يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس﴾
أي : ذوو نجس لأنّ معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو إنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم أو جعلوا كأنهم النجاسات بعينها مبالغة في وصفهم بها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وعن الحسن رحمه الله تعالى : من صافح مشركاً توضأ وأهل المذاهب على خلاف هذين القولين والنجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع.
﴿فلا يقربوا المسجد الحرام﴾ أي : لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة والمنع من دخول الحرم. قال العلماء : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام :
أحدها : الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخل المسجد بحال ذمياً كان أو مستأمناً لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفر إلى الإمام والإمام في الحرم لا يؤذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه الإمام أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوّز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم.
القسم الثاني : من بلاد الإسلام الحجاز فيجوز للكافر دخوله بالإذن ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام. لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :"لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً" فأجلاهم عمر في خلافته وأجل لمن قدم منهم تاجراً ثلاثاً وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول وأمّا في العرض فمن جدّة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشأم.
والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمّة أو أمان لكن لا يدخل المساجد إلا بإذن مسلم لحاجة.
وقوله تعالى :﴿بعد عامهم هذا﴾ إشارة إلى العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ونادى عليّ رضي الله عنه ببراءة وهو سنة تسع من الهجرة وقبل سنة حجة الوداع ولما أمر رسول الله ﷺ علياً أن يقرأ على مشركي مكة أوّل براءة وينبذ إليهم عهدهم وأنّ الله بريء من المشركين ورسوله قال أناس يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة لانقطاع السبيل وفقد الحمولات وذلك أنّ أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون فلما امتنعوا من دخول الحرم خافوا الفقر وضيق العيش فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى ﴿وإن خفتم عيلة﴾ أي : فقراً وحاجة بانقطاع تجارتهم عنكم ﴿فسوف يغنيكم الله من فضله﴾ أي : من عطائه وتفضله من وجه آخر وقد أنجز الله تعالى وعده بأن أرسل المطر عليهم مدراراً فكثر خيرهم وأسلم أهل جدّة وصنعاء وتبالة وجرش وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله تعالى ما كانوا يخافون، وتبالة بفتح التاء وجرش بضمّ الجيم وفتح الراء وشين معجمة قريتان من قرى اليمن وقيد ذلك بقوله
٦٨٧
تعالى :﴿إن شاء﴾ لتنقطع الآمال إليه تعالى ولينبه على أنه متفضل في ذلك وأنّ الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام. دون عام ﴿إنّ الله﴾ أي : الذي له الإحاطة الكاملة ﴿عليم﴾ أي : بوجوه المصالح ﴿حكيم﴾ أي : فيما يعطي ويمنع، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال من أين تأكلون فأمرهم الله تعالى بقتال أهل الكتاب كما قال تعالى :﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون با ولا باليوم الآخر﴾ (التوبة، ٢٩)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٦
فإن قيل : اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف أخبر الله تعالى عنهم بذلك ؟
أجيب : بأنّ من اعتقد أن العزير ابن الله وأنّ المسيح ابن الله فليس بمؤمن بل هو مشرك وبأنّ من كذب رسولاً من الرسل فليس بمؤمن واليهود والنصارى يكذبون أكثر الأنبياء ﴿ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله﴾ من الشرك وأكل أموال الناس بالباطل وتبديل التوراة والإنجيل وغير ذلك ﴿ولا يدينون دين الحق﴾ أي : الثابت الذي هو ناسخ لسائر الأديان وهو الإسلام كما قال تعالى :﴿إنّ الدين عند الله الإسلام﴾ (آل عمران، ١٩)
﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ أي : اليهود والنصارى بيان للذين لا يؤمنون ﴿حتى يعطوا الجزية﴾ وهي الخراج المضروب على رقابهم في نظير سكناهم في بلاد الإسلام آمنين مأخوذ من المجازاة لكفنا عنهم.
وقيل من الجزاء بمعنى القضاء قال الله تعالى :﴿واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً﴾ (البقرة، ٤٨)


الصفحة التالية
Icon