﴿وقالت اليهود عزير ابن الله﴾ اختلفوا في قائل هذه المقالة على أقوال : أحدها قال عبيد بن عمير : إنما قال هذا القول رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء وهو الذي قال : إنّ الله فقير ونحن أغنياء وثانيها قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعكرمة : أتى رسول الله ﷺ جماعة من اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا : كيف نتبع دينك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أنّ عزيراً ابن الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وعلى هذين القولين القائل إنما هو بعض اليهود إلا أنّ الله تعالى نسب ذلك إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على اسم الواحد يقال : فلان ركب الخيول ولعله لم يركب إلا واحداً منها، وفلان يجالس السلاطين ولعله لم يجالس إلا واحداً. وثالثها : أنّ هذا المذهب لعله كان ثابتاً فيهم ثم انقطع فحكى الله تعالى ذلك عنهم ولا عبرة بإنكار اليهود لذلك فإنّ الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على التكذيب واختلف في السبب الذي قالوا ذلك لأجله فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنّ اليهود أضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فأنساهم الله تعالى التوراة ونسخها من صدورهم فتضرّع عزير إلى الله تعالى وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخ من صدورهم فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه التوراة فأذن في قومه وقال : يا قوم قد آتاني الله تعالى التوراة وردّها إليّ فعلقوا به يعلمهم ثم مكثوا ما شاء الله تعالى ثم إنّ التابوت أنزل بعد ذهابه عنهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله فقالوا : ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله وقيل : لما رفع الله تعالى عنهم التوراة خرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض فأتاه جبريل عليه السلام فقال له : إلى أين تذهب ؟
قال : أطلب العلم، فحفظه التوراة وأملاها عليهم عن ظهر قلبه لا يخرم منها حرفاً، فقالوا : ما جمع الله التوراة في قلبه وهو غلام إلا أنه ابنه، وقال الكلبيّ : إنّ بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وقتل من قرأ التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيراً فاستصغره فلم يقتله فلما رجع بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة فبعث الله تعالى عزيراً ليجدّد لهم التوراة ويكون لهم آية بعد ما أماته الله تعالى مائة سنة وأرسل إليه ملكاً بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره فلما أتاهم وقال لهم : أنا عزير كذبوه وقالوا : إن كنت كما تزعم فاتل علينا التوراة فكتبها لهم من صدره ثم إنّ رجلاً منهم قال : إنّ أبي حدّثني أنّ التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعارضوا بها ما كتبه عزير فلم يجدوه غادر حرفاً فقالوا : إنّ الله تعالى لم يقذف التوراة في قلب عزير إلا أنه ابنه فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن الله.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٦
وقرأ عاصم والكسائيّ عزير بالتنوين والباقون بغير تنوين، قال الزجاج : الوجه إثبات التنوين
٦٨٩
فقوله : عزير مبتدأ، وقوله : ابن خبره، وإذا كان كذلك فلا بدّ من التنوين في حال السعة لأنّ عزيراً ينصرف سواء كان عربياً أم عجمياً وسبب كونه منصرفاً أمران : أحدهما : أنه اسم خفيف فينصرف وإن كان أعجمياً كهود ولوط والثاني : أنه على صيغة التصغير وأنّ الأسماء الأعجمية لا تصغر. وأمّا الذين تركوا التنوين فلهم فيه أوجه : أحدها أنه أعجميّ معرفة فوجب أن لا ينصرف. وثانيها : قال الفرّاء : نون التنوين ساكنة من عزير والباء من ابن الله ساكنة فحصل ههنا التقاء الساكنين فحذف التنوين للتخفيف، وردّ هذا الوجه بأنه مخالف لما تقرّر من أن الوجه عند ملاقاة التنوين للساكن التحريك لا الحذف. وثالثها : أنّ الابن وصف والخبر محذوف والتقدير عزير بن الله معبودنا، وردّ هذا أيضاً بأنه يؤدّي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدّر لأنّ من أخبر عن ذات موصوفة بصفة بأمر من الأمور وأنكره منكر توجه الإنكار إلى الخبر فكان المقصود بالإنكار قولهم : عزير ابن الله معبودنا وحصل تسليم كونه ابن الله ومعلوم أن ذلك كفر.