وقيل : المعنى أنهم يكوون على الجهات الأربع أما من مقدمه فعلى الجبهة وأمّا من خلفه فعلى الظهر وأمّا من يمينه ويساره فعلى الجنبين، وقيل : لأنّ جمعهم وإمساكهم المال كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدّي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحة له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره كلما بردت عليه أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار" وقوله تعالى :﴿هذا ما كنزتم﴾ على إرادة القول أي : يقال لهم هذا ما كنزتم ﴿لأنفسكم﴾ أي : لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذبيها ﴿فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾ أي : تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : انتهيت إلى النبيّ ﷺ وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال :"هم الأخسرون ورب الكعبة" فقلت يا رسول الله فداك أبي وأمّي من هم قال :"هم ؟
الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم".
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٩٢
إنّ عدّة الشهور﴾
أي : عددها ﴿عند الله اثنا عشر شهراً﴾ وهي المحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وشهر ربيع الثاني وجمادى الأوّل وجمادى الثاني ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوّال وذو القعدة وذو الحجة، هذه شهور السنة القمرية التي هي مبنية على سير القمر في المنازل وهي شهور العرب التي يعتدّ بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم وأيام هذه الشهور ثلثمائة وخمسة وخمسون يوماً والسنة الشمسية عبارة عن دور الشمس في الفلك دورة واحدة تامّة وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء وتارة في الصيف قال المفسرون : وسبب نزول هذه الآية من أجل النسىء الذي كانت العرب تفعله في الجاهلية فكان حجهم يقع تارة في وقته وتارة في المحرّم وتارة في صفر وتارة في غيرهما من الشهور فأعلم الله تعالى أنّ عدة الشهور سنة المسلمين التي يعتدون بها اثنا عشر شهراً على منازل القمر وسيره فيها وهو قوله تعالى :﴿إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً﴾ أي : في علمه وحكمه ﴿في كتاب الله﴾ أي : في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه أحوال مخلوقاته بأسرها على التفصيل وهو أصل الكتب التي أنزلها الله تعالى على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل فيما أثبته وأوجبه من حكمه ورآه حكمة وصواباً ﴿يوم خلق السموات والأرض﴾ أي : إنّ هذا الحكم حكم به قضاه يومئذ أي : السنة اثنا عشر شهراً ﴿منها﴾ أي : الأشهر ﴿أربعة حرم﴾ ثلاثة سواء ذو القعدة بفتح القاف وذو الحجة بكسر الحاء على المشهور فيهما وسميا بذلك لقعودهم عن القتال في الأوّل ولوقوع الحج في الثاني، والمحرّم بتشديد الراء المفتوحة سمي بذلك لتحريم القتال فيه وقيل : لتحريم الجنة فيه على إبليس ودخلته اللام دون غيره من الشهور لأنه أوّلها فعرفوه كأنه قيل : هذا الشهر الذي ابتدأ أول السنة وواحد فرد وهو رجب ويجمع على أرجاب ورجاب ورجوب ورجبات، ويقال له : الأصم والأصب، وقيل : لم يعذب الله أمّة في شهر رجب ورد عليه بأنّ الله
٦٩٦
تعالى أغرق قوم نوح فيه قاله الثعلبي، وهذا الترتيب الذي ذكرناه في عد الأشهر الحرم وجعلها من سنتين هو الصواب كما قاله النوويّ في شرح مسلم ويؤيده قوله ﷺ في خطبته في حجة الوداع :"ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" وعدها الكوفيون من سنة واحدة فقالوا : المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، قال ابن دحية : وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها مرتبة فعلى الأوّل يبتدىء بذي القعدة وعلى الثاني بالمحرم ومعنى الحديث أنّ الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسىء الذي كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة أبي بكر رضي الله عنه قبلها في ذي القعدة ومعنى الحرم أنّ المعصية فيها أشدّ عقاباً والطاعة فيها أكثر ثواباً والعرب كانوا يعظمونها جدّاً حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يتعرّض له.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٩٢


الصفحة التالية
Icon