﴿ومنهم من يلمزك﴾ أي : يعيبك ﴿في الصدقات﴾ قال أبو على الفارسي : ههنا محذوف والتقدير يعيبك في تقسيم الصدقات واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال أبو سعيد الخدري : بيا رسول الله ﷺ يقسم مالاً إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم رأس الخوارج وكان رسول الله ﷺ يقسم غنائم حنين واستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال : يا رسول الله اعدل، فقال له رسول الله ﷺ "ويلك إن لم أعدل فمن يعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه فقال له ﷺ "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين يقال له الجوّاظ المنافق : ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل، فقال رسول الله ﷺ "لا أبا لك أما كان موسى راعياً أما كان داود راعياً" فلما ذهب قال رسول الله ﷺ "احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون"، وقال ابن زيد قال المنافقون : والله ما يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثرها إلا هواه فنزلت.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠٨
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره أنه ﷺ قال لرجل من أصحابه :"ماعلمك بفلان" فقال : ما لي به علم إلا أنك تدنيه في المجلس وتجزل له العطاء فقال ﷺ "إنه منافق أداريه عن نفاقه وأخاف أن يفسد على غيره" فقال : لو أعطيت فلاناً بعض ما تعطيه فقال ﷺ "إنه مؤمن أكمل إيمانه وأما هذا فمنافق أداريه خوف فساده".
﴿فإن أعطوا منها﴾ أي : من الصدقات ﴿رضوا﴾ أي : رضوا عنك في قسمتها ﴿وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون﴾ أي : وإن لم تعطهم عابوا عليك وسخطوا، قال أهل المعاني : إن هذه الآية تدل على ركاكة أخلاق المنافقين ودناءة طباعم وذلك لأنه لشدّة شرههم إلى أخذ الصدقات عابوا رسول الله ﷺ ونسبوه إلى الجور في القسمة مع أنه كان أبعد خلق الله تعالى عن الميل إلى الدنيا، وقال الضحاك : كان رسول الله ﷺ يقسم بينهم ما آتاه الله تعالى من قليل المال وكثيره وكان المؤمنون يرضون بما أعطوا ويحمدون الله تعالى وأما المنافقون فإن أعطوا كثيراً فرحوا وإن أعطوا قليلاً سخطوا وذلك يدل على أن رضاهم وسخطهم لطلب النصيب لا لأجل الدين، وكلمة إذا للمفاجأة أي : وإن لم يعطوا منها فاجؤا السخط.
﴿ولو أنهم﴾ أي : المنافقين ﴿رضوا ما آتاهم الله ورسوله﴾ أي : ما أعطاهم رسول الله ﷺ من الغنائم والصدقات أو غيرها وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله رسول الله ﷺ كان
٧١٠
بأمره ﴿وقالوا﴾ أي : مع الرضا ﴿حسبنا الله﴾ أي : كافينا الله من فضله ﴿سيؤتينا الله من فضله ورسوله﴾ أي : من غنيمة أو صدقة أخرى ما يكفينا ﴿إنا إلى الله﴾ أي : في أنّ الله تعالى يغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس ويوسع علينا من فضله ﴿راغبون﴾ أي : عريقون في الرغبة ولذلك نكتفي بما يأتي من قبله كائناً ما كان وجواب لو محذوف والتقدير لكان خيراً لهم، نقل عن عيسى عليه السلام أنه مرّ بقوم يذكرون الله تعالى فقال : ما الذي حملكم عليه ؟
فقالوا : الخوف من عقاب الله، فقال : أصبتم، ومر على قوم يشتغلون بالذكر فسألهم فقالوا : لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة في الثواب بل لإظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه، فقال : أنتم المحقون المحققون، ثم بين سبحانه وتعالى مصارف الصدقات تحقيقاً لما فعله الرسول ﷺ فقال عز من قائل :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠٨
إنما الصدقات﴾
أي : الزكوات مصروفة ﴿للفقراء﴾ والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعاً من كفايته كأنه يحتاج إلى عشرة دراهم وهو لا يجد إلا درهمين أو ثلاثاً مأخوذ من الفقار كأنه أصيب فقاره ﴿والمساكين﴾ جمع مسكين وهو الذي يجد ما يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه كأن يحتاج إلى عشرة وهو يجد سبعة أو ثمانية مأخوذ من السكون كأنّ العجز أسكنه والمسكين أعلى من الفقير ويدل عليه قوله تعالى :﴿أما السفينة فكانت لمساكين﴾ (الكهف، ٧٩)


الصفحة التالية
Icon