﴿يحذر﴾ أي : يخاف ﴿المنافقون أن تنزل عليهم﴾ أي : المؤمنين ﴿سورة تنبئهم﴾ أي : تخبرهم ﴿بما في قلوبهم﴾ أي : بما في قلوب المنافقين من النفاق والحسد والعداوة للمؤمنين كانوا يقولون فيما بينهم ويستهزؤن ويخافون الفضيحة بنزول القرآن في شأنهم قال قتادة : هذه السورة كانت تسمى الفاضحة والمبعثرة والمثيرة أثارت مخازيهم ومثالبهم، قال ابن عباس : أنزل الله تعالى ذكر سبعين رجلاً من المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة على المؤمنين لئلا يعير بعضهم بعضاً لأنّ أولادهم كانوا مؤمنين ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المنافقين ﴿استهزؤا﴾ أمر تهديد ﴿إنّ الله مخرج﴾ أي : مظهر ﴿ما تحذرون﴾ إخراجه من نفاقكم، قال ابن كيسان : نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلاً من المنافقين وقفوا لرسول الله ﷺ على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها ومعهم رجل مسلم يخفيهم شأنه وتنكروا له في ليلة مظلمة فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ بما قدّروا وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم وعمار بن ياسر يقود ناقة رسول الله ﷺ وحذيفة يسوقها فقال لحذيفة : اضرب وجوه رواحلهم فضربها حذيفة حتى نحاها عن الطريق فلما نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم قال : لم أعرف منهم أحداً فقال رسول الله ﷺ "إنهم فلان وفلان حتى عدهم كلهم"، فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم فقال : أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيناهم الله.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١٤
ولئن﴾
اللام لام القسم ﴿سألتهم﴾ أي : المنافقين عن استهزائهم بك والقرآن وهم سائرون معك إلى تبوك ﴿ليقولنّ﴾ معتذرين ﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾ في الحديث لنقطع به الطريق ولم نقصد ذلك، قال قتادة : كان النبي ﷺ يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين اثنان يستهزئان بالنبيّ ﷺ والقرآن والثالث يضحك قيل : كانوا يقولون : إنّ محمداً يغلب الروم ويفتح مدائنهم ما أبعده من ذلك وقيل : كانوا يقولون : إنّ محمداً يزعم أنه نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن وإنما هو قوله وكلامه فأطلع الله تعالى نبيه ﷺ على ذلك فقال :"احبسوا الركب عليّ فدعاهم وقال لهم : قلتم كذا وكذا فقال :﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾ أي : كنا نتحدّث ونخوض في الكلام كما يفعل الركب لنقطع الطريق بالحديث واللعب" قال الله تعالى :﴿قل﴾ يا محمد
٧١٥
لهؤلاء المنافقين ﴿أبا﴾ أي : بفرائضه وحدوده وأحكامه ﴿وآياته﴾ أي : القرآن وسائر ما يدل على الدين الذي لا يمكن تبديله ولا يخفى على بصير ولا بصيرة ﴿ورسوله﴾ محمد ﷺ الذي عظمته من عظمته وهو مجتهد في إصلاحكم وتشريفكم وإعلائكم ﴿كنتم تستهزؤن﴾ توبيخاً وتقريعاً لهم على استهزائهم بما لا يصلح الاستهزاء به وإلزاماً للحجة عليهم ولا يعبأ باعتقادهم الكاذب، ولما كان الاستهزاء بذلك كفراً قال الله تعالى :
﴿لا تعتذروا﴾ أي : لا تشتغلوا باعتذاراتكم الباطلة ﴿قد كفرتم﴾ أي : أظهرتم الكفر بقولكم هذا ﴿بعد إيمانكم﴾ أي : بعد إظهار الإيمان.
فإن قيل : المنافقون لم يكونوا مؤمنين فكيف قال تعالى :﴿قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ ؟
أجيب : بأنهم كانوا يكتمون الكفر ويظهرون الإيمان فلما حصل ذلك الاستهزاء منهم وهو كفر فقد أظهروا الكفر بعدما أظهروا الإيمان كما تقرّر ﴿إن نعف عن طائفة منكم﴾ أي : بإحداثهم التوبة وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق ﴿نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾ أي : مصرين على النفاق والاستهزاء قال محمد بن إسحاق : الذي عفا الله عنه رجل واحد وهو مخشي بن حمير الأشجعي يقال هو الذي كان يضحك ولا يخوض وكان يمشي مجانباً لهم وكان ينكر بعض ما يسمع والعرب توقع لفظ الجمع على الواحد فتقول خرج فلان إلى مكة على الجمال والله تعالى يقول :﴿الذين قال لهم الناس﴾ (آل عمران، ١٧٣)
يعني : نعيم بن مسعود فلما نزلت هذه الآية تاب من نفاقه وقال : اللهمّ إني لا أزال أسمع آية تقرأ تقشعر منها الجلود وتخفق منها القلوب اللهمّ اجعل وفاتي قتلاً في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت فأصيب يوم اليمامة فلم يعرف أحد من المسلمين مصرعه وقرأ عاصم نعف بالنون مفتوحة وضم الفاء ونعذب طائفة بنون مضمومة وكسر الذال وطائفة بالنصب والباقون إن يعف بياء مضمومة وتعذب بضم التاء وفتح الذال وطائلة بالرفع ثم بين تعالى نوعاً آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم والمقصود منه بيان أنّ إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة والأفعال الخبيثة بقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١٤


الصفحة التالية
Icon