وعن عطاء : لما فتح الله تعالى الأمصار على عمر رضي الله تعالى عنه أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأن لا يتخذوا في مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه وقوله تعالى :﴿لمسجد﴾ اللام فيه للابتداء وقيل : لام القسم تقديره والله لمسجد ﴿أسس﴾ أي : وضع أساسه وقواعده ﴿على التقوى﴾ أي : تقوى الله تعالى ﴿من أوّل يوم﴾ أي : من أوّل أيام وجوده لأن من تعم الزمان والمكان أي : فأحاطت به التقوى لأنها إذا أحاطت بأوّله أحاطت بآخره ﴿أحق﴾ أي : أولى ﴿أن﴾ أي : بأن ﴿تقوم﴾ أي : تصلي ﴿فيه﴾، واختلف في هذا المسجد الذي أسس على التقوى فقيل : هو مسجد المدينة قاله زيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري قال أبو سعيد رضي الله عنه : دخلت على رسول الله ﷺ في بيت بعض نسائه فقلت : يا رسول الله أي المسجد الذي أسس على التقوى ؟
قال : فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال :"هو مسجدكم هذا مسجد المدينة"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" وعن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله ﷺ "إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة" أي : ثوابت، وقيل : هو مسجد قباء قاله سعيد بن جبير وقتادة أسسه رسول الله ﷺ وصلى فيه أيام مقامه بقباء وهو يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج يوم الجمعة ويدل على هذا قوله تعالى :﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾ أي : من المعاصي والخصال المذمومة طلباً لمرضاة الله تعالى عليهم ﴿وا يحب المطهرين﴾ أي : يثيبهم ويرضى عنهم ويدنيهم من جنابه إدناء المحب حبيبه.
روي أنها لما نزلت مشى رسول الله ﷺ ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال :"أمؤمنون أنتم ؟
" فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم، فقال عليه الصلاة والسلام :"أترضون بالقضاء ؟
" فقالوا : نعم، قال :"أتصبرون على البلاء ؟
" قالوا : نعم، قال عليه الصلاة والسلام :"مؤمنون ورب الكعبة" فجلس ثم قال :"يا معشر الأنصار إنّ الله عز وجل قد أثنى عليكم فماذا الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ؟
" فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا رسول الله ﷺ ﴿رجال يحبون أن يتطهروا﴾.
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن ساعدة إنه ﷺ أتاهم في مسجد قباء فقال :"إنّ الله تعالى قد أحسن إليكم الثناء في الطهر وفي قصة مسجدكم فما الطهور الذي تطهرون به ؟
" قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا وفي حديث رواه البزار فقالوا : نتبع الحجارة بالماء فقال :"هو ذاك
٧٤٠
فعليكموه"، وقيل : كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ويتبعون الماء إثر البول، وعن الحسن هو التطهر من الذنوب بالتوبة، وقيل : يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٣٨
أفمن أسس بنيانه﴾
أي : بنيان دينه ﴿على تقوى من الله ورضوان﴾ أي : على قاعدة قوية محكمة وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه ﴿خير أم من أسس بنيانه على شفا﴾ أي : طرف ﴿جرف﴾ أي : جانب ﴿هار﴾ أي : على قاعدة هي أضعف القواعد وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار أي : مشرف على السقوط ﴿فانهار به﴾ أي : سقط مع بانيه ﴿في نار جهنم﴾ خير وهذا تمثيل للبناء على ضدّ التقوى بما يؤول إليه والاستفهام للتقرير أي : الأوّل خير وهو مثال مسجد قباء، والثاني مثال مسجد الضرار قال الرازي : ولا نرى في العالم مثالاً أحسن مطابقة لأمر المنافقين من هذا المثال وحاصل الكلام إنّ أحد البناءين قصد بانيه ببنائه تقوى الله تعالى ورضوانه والبناء الثاني قصد بانيه ببنائه المعصية والكفر فكان البناء الأوّل شريفاً واجب الإبقاء وكان الثاني خسيساً واجب الهدم.
قيل : حفرت بقعة في مسجد الضرار فرؤي الدخان يخرج منها، وقرأ نافع وابن عامر : أفمن أسس بضم الهمزة وكسر السين الأولى مع التشديد وضم النون قبل الهاء، والباقون بفتح الهمزة والسين مع التشديد أيضاً ونصب النون قبل الهاء، وقرأ شعبة : رضوان بضم الراء، والباقون بالكسر. ورسمت أم هنا مقطوعة من من والكلام على أسس بنيانه كالكلام على التي قبلها، وقرأ ابن عامر وشعبة وحمزة جرف بسكون الراء والباقون بالرفع، وأما شفا فلا تمال بخلاف هار فإن أبا عمرو وشعبة والكسائيّ يقرؤونه بالإمالة المحضة، وابن ذكوان بالفتح والإمالة، وورش بالإمالة بين بين، والباقون بالفتح ﴿وا لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي : إلى ما فيه صلاح ونجاة.


الصفحة التالية
Icon