فإن قيل : يردّ الأوّل اختلاف أهل وآل معنى إذ الأهل القرابة والآل من يؤل إليك بقرابة أو رأي أو مذهب ولأن الألف يثبت إبدالها من الهاء. أجيب : بأن القائل بالأول جرى على القول بأن اللفظتين بمعنى، أو أراد بالأهل أحد معاني آل وأبدل الواو من الهاء لتقاربهما مخرجاً، وخص بالاضافة إلى أولي القدر والشرف كالأنبياء والملوك، وإنما قيل آل فرعون لتصوره بصورة الأشراف أو لشرفه في قومه عندهم، وفرعون هو الوليد ابن مصعب بن ريان وكان من القبط من العمالقة وعمر أكثر من أربعمائة سنة ﴿يسومونكم﴾ يولونكم ويذيقونكم ﴿سوء العذاب﴾ أي : أشدّه، والجملة حال من الضمير في نجيناكم، أو من آل فرعون، أو منهما جميعاً لأنّ فيها ضمير كل واحد منهم ﴿يذبحون أبناءكم﴾ المولودين ﴿ويستحيون نساءكم﴾ أي : يتركونهنّ أحياء، هذا بيان ليسومونكم ولذلك لم يعطف وذلك أنّ فرعون لعنه الله رأى في منامه كأنّ ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرّض لبني إسرائيل فهاله ذلك، وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن : لا يسقطنّ على أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولا جارية إلا تركت ووكل بالقوابل فكنّ يفعلن ذلك حتى قيل : إنه قتل في طلب موسى اثني عشر ألف صبيّ، وقال وهب : بلغني أنه ذبح في طلب موسى تسعين ألفاً، قالوا : وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون وقالوا : إن الموت قد وقع في بني إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها ﴿وفي ذلكم بلاء﴾ إن أشير به إلى صنيعهم فهو محنة أو إلى الإنجاء فهو نعمة فإنّ البلاء يكون بمعنى الشدّة وبمعنى النعمة ويجوز أن يشار بذلكم إلى الأمرين فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر وعلى الشدّة بالصبر قال تعالى :﴿ونبلوكم﴾ (الأنبياء، ٣٥) أي : نختبركم بالشرّ والخير فتنة ﴿من ربكم﴾ أي : بتسليطهم عليكم، أو ببعثة موسى وتوفيقه لتخليصكم، أو بهما، وقوله تعالى :﴿عظيم﴾ صفة بلاء. وفي الآية تنبيه على أنّ ما يصيب العبد من خير أو شرّ إختبار من الله تعالى فعليه أن يشكر عند مسارّه ويصبر على مضاره ليكون من خير المختبرين.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦
و﴾ اذكروا ﴿إذ فرقنا﴾ فلقنا ﴿بكم﴾ أي : بسببكم ﴿البحر﴾ حتى دخلتموه هاربين من عدوّكم وذلك أنّ فرعون لما دنا هلاكه أمر الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم السرج إلى الصبح وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب عليه الصلاة والسلام اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدمتهم ثم علم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك، قال ابن مسعود رضي الله عنه : فوالله ما صاح ديك في تلك الليلة ثم خرج فرعون في طلبهم وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف وكان فيهم
٦٧