على أشجارهم مثل الثلج لكل إنسان منهم صاع فقالوا : يا موسى قتلنا هذا المنّ بحلاوته فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم، فأنزل الله عليهم السلوى جمع سلواة وهو الطير السماني بتخفيف الميم والقصر جمع سماناة وهو الطير المعروف، وقيل : هو طائر يشبهه بعث الله سحابة فمطرت السماني في عرض ميل وطول رمح في السماء بعضه على بعض فكان الله تعالى ينزل عليهم المنّ والسلوى كل صباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فكان كل واحد منهم يأخذ ما يكفيه يوماً وليلة وإذا كان يوم الجمعة يأخذ كل واحد منهم ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت. وقرأ السلوى حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وأبو عمرو بين بين، وورش بالفتح وبين اللفظين.
فإن قيل : لم قدّم في الآية المنّ على السلوى مع أنها غذاء والمنّ حلواء والعادة تقديم الغذاء على الحلواء ؟
أجيب : بأنّ نزول المنّ من السماء أمر مخالف للعادة فقدم لاستعظامه بخلاف الطيور المأكولة وأيضاً هو مقدّم في النزول عليهم ﴿كلوا﴾ على إرادة القول أي : قلنا لهم كلوا ﴿من طيبات﴾ حلالات ﴿ما رزقناكم﴾ ولا تدخروا لغد فكفروا النعمة وادّخروا فقطع الله ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروه وقوله تعالى :﴿وما ظلمونا﴾ أي : بذلك فيه اختصار وأصله فظلموا بأن كفروا بهذه النعم وما ظلمونا ﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ لأنّ وباله عليهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله ﷺ "لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها الدهر".
﴿وإذ قلنا﴾ لهم بعد خروجهم من التيه ﴿ادخلوا هذه القرية﴾ أي : بيت المقدس كما قاله مجاهد، أو أريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة كما قاله ابن عباس وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم : العمالقة ورأسهم عوج بن عتق، قال ابن الأثير وهي قرية بالغور قريبة من بيت المقدس، وقيل : البلقاء، وقيل : الرملة والأردن وفلسطين، وقيل : الشام سميت القرية قرية لأنها تجمع أهلها ومنه المقرّة للحوض لأنها تجمع الماء ﴿فكلوا منها حيث شئتم رغداً﴾ أي : واسعاً لا حجر فيه ﴿وادخلوا الباب﴾ أي : باب من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب ﴿سجداً﴾ أي : متطامنين منحنين أو ساجدين السجود الشرعيّ لله شكراً على إخراجكم من التيه ﴿وقولوا﴾ مسألتنا ﴿حطة﴾ أي : أن تحط عنا خطايانا، قال قتادة : أمروا بالاستغفار، وقال ابن عباس : بلا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب، وقيل : معناه أمرنا حطة أي : شأننا أن نحط في هذه القرية ونقيم فيها حتى ندخل الباب سجداً مع التواضع ﴿نغفر لكم خطاياكم﴾ بسجودكم ودعائكم. وقرأ نافع بباء مضمومة على التذكير مع فتح الفاء، وقرأ ابن عامر تغفر بتاء مضمومة على التأنيث مع فتح الفاء أيضاً، وقرأ الباقون بالنون مفتوحة مع كسر الفاء، وقرأ الكسائي خطاياكم بالإمالة، وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح ﴿وسنزيد المحسنين﴾ بالطاعة ثواباً جعل الله تعالى امتثال قوله :﴿قولوا حطة﴾ توبة للمسيء وسبب زيادة الثواب للمحسنين.
فإن قيل : كيف عطف وسنزيد مع أنه مرفوع على نغفر مع أنه مجزوم جواباً للأمر ؟
أجيب : بأنه أخرجه عن صورة الجواب إلى الوعد إيهاماً بأنّ المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وإنه يفعل لا محالة، وسبب إخراج ما ذكر عن صورة الجواب إلى الوعد أنّ الزيادة إذا كانت من وعد الله كانت أعظم مما إذا كانت مسببة عن فعلهم.
٧٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١
﴿فبدّل الذين ظلموا﴾ منهم ﴿قولاً غير الذي قيل لهم﴾ فقالوا : حبة من شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول.
روى معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ "قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة" وفي رواية : في شعيرة. وقوله تعالى :﴿فأنزلنا على الذين ظلموا﴾ فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعاراً بأنّ إنزال الرجز عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو على أنفسهم بأنهم تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها ﴿رجزاً﴾ أي : عذاباً مقدراً ﴿من السماء﴾ وقيل : أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً، وقيل : أربعة وعشرون ألفاً ﴿بما كانوا يفسقون﴾ أي : بسبب فسقهم، أي : خروجهم عن الطاعة.
﴿وإذ استسقى موسى﴾ طلب السقيا ﴿لقومه﴾ وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال :﴿فقلنا اضرب بعصاك الحجر﴾ وكانت من آس الجنة بالمدّ أي : شجرها وهو المرسين.