جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٦
وقالوا} للنبيّ ﷺ استهزاءً :﴿قلوبنا غلف﴾ جمع أغلف أي : مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جئت به ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقولهم :﴿قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه﴾ (فصلت، ٥)، وقيل : أصل غلف بالسكون غلف بالضم فخفف، والمعنى أنها أوعية العلم لا تسمع علماً إلا وعته ولا تعي ما تقول أي : فما تقوله ليس بعلم أو نحن مستغنون بما فيها عن غيره، ثم ردّ الله تعالى عليهم أن تكون قلوبهم كذلك بقوله تعالى :﴿بل﴾ للإضراب ﴿لعنهم الله بكفرهم﴾ أي : بسبب كفرهم، والمعنى أنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق ولكنّ الله خذلهم بكفرهم فأبطل استعدادهم كما قال تعالى :﴿فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾ أو هم كفرة ملعونون فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عنك ﴿فقليلاً ما يؤمنون﴾ ما مزيدة لتأكيد القلة أي : إيمانهم إيمان قليل جدّاً وهو إيمانهم ببعض الكتاب وقيل : أراد بالقلة العدم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٦
﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله﴾ هو القرآن ﴿مصدّق لما معهم﴾ من كتابهم وهو التوراة لا يخالفه ﴿وكانوا﴾ أي : اليهود ﴿من قبل﴾ أي : من قبل مجيئه ﴿يستفتحون﴾ أي : يستنصرون ﴿على الذين كفروا﴾ أي : مشركي العرب إذا قابلوهم يقولون : اللهمّ انصرنا عليهم بالنبيّ المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته ونعته في التوراة ويقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ﴿فلما جاءهم﴾ أي : اليهود ﴿ما عرفوا﴾ من الحق وهو بعثة النبيّ ﷺ ﴿كفروا به﴾ حسداً أو خوفاً على الرياسة وجواب لما الأولى دل عليه جواب لما الثانية ﴿فلعنة الله﴾ أي : عذابه وطرده ﴿على الكافرين﴾ أي : عليهم، وإنما أتى بالمظهر للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم فتكون اللام للعهد ويجوز أن تكون للعموم ويدخلون فيه دخولاً أولياً أو قصدياً لأنهم المقصودون بالذات وتناول الكلام لغيرهم على سبيل التبع فهو كما إذا ظلمك إنسان
٨٧
فقلت : ألا لعنة الله على الظالمين كان ذلك الظالم أوّلياً أو مقصوداً في الدعاء والباقون تبعاً.
﴿بئس ما اشتروا﴾ أي : باعوا ﴿به أنفسهم﴾ أي : حظها من الثواب، وما نكرة بمعنى شيئاً مميزة لفاعل بئس المستكن أي : بئس الشيء شيئاً اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم ﴿أن يكفروا﴾ أي : كفرهم ﴿بما أنزل الله﴾ من القرآن ﴿بغياً﴾ أي : حسداً وطلباً لما ليس لهم وهو علة يكفروا ـ كما قال البيضاوي ـ دون اشتروا، وإن قاله الزمخشري لفصل المخصوص بين ﴿بغياً﴾ الذي هو العلة وبين المعلول وهو ﴿اشتروا﴾. وحسدوه على ﴿أن ينزل الله من فضله﴾ أي : الوحي ﴿على من يشاء﴾ للرسالة ﴿من عباده﴾ وهو محمد ﷺ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون نون ينزل وتخفيف الزاي، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ﴿فباءوا﴾ أي : رجعوا ﴿بغضب على غضب﴾ أي : مع غضب، واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس ومجاهد : الغضب الأوّل : بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني : بكفرهم بمحمد ﷺ وقال السديّ : الأوّل : كفرهم بعبادة العجل، والثاني : الكفر بمحمد ﷺ وقال قتادة : الأوّل : بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني : بمحمد ﷺ والقرآن. ﴿وللكافرين عذاب مهين﴾ أي : ذو إهانة بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٧
وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله﴾ من القرآن وغيره فيعم سائر الكتب المنزلة ﴿قالوا نؤمن بما أنزل علينا﴾ أي : التوراة يكفينا ذلك ﴿ويكفرون﴾ الواو للحال ﴿بما وراءه﴾ أي : بما سواه من الكتب كقوله تعالى :﴿فمن ابتغى وراء ذلك﴾ (المؤمنون، ٧) أي : سواه وقال أبو عبيدة : بما بعده أي : من القرآن. وقوله تعالى :﴿وهو﴾ أي : ما وراءه ﴿الحق﴾ حال، وقوله :﴿مصدّقاً لما معهم﴾ أي : من التوراة حال ثانية مؤكدة تتضمن ردّ مقالهم فإنهم كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض الله تعالى عليهم بقتل الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة بقوله تعالى :﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿فلم تقتلون﴾ أي : قتلتم ﴿أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين﴾ بالتوراة، والتوراة لا تسوغه بل نهيتم فيها عن قتلهم، والخطاب للموجودين في زمن نبينا ﷺ بما فعل آباؤهم لرضاهم به وعزمهم عليه، قرأ نافع وحده : أنبياء الله، بالهمز في كل القرآن، والباقون بالبدل، وليس لورش إلا المدّ فقط لأنه متصل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٧
﴿ولقد جاءكم موسى بالبينات﴾ أي : الآيات التسع في قوله تعالى :﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات كالعصا﴾ (الإسراء، ١٠١) واليد وفلق البحر ﴿ثم اتخذتم العجل﴾ أي : إلهاً ﴿من بعده﴾ أي :
٨٨