١) والمنزول فيه الأخنس بن شريق ﴿أولئك﴾ أي : المانعون ﴿ما كان لهم أن يدخلوها﴾ أي : مساجد الله ﴿إلا خائفين﴾ أي : على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها أو يخربوها أو يمنع النبيّ ﷺ عنها وقال قتادة : لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا انهمك ضرباً وأبلغ إليه في العقوبة. وروي أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكراً مسارقة وقيل :"نادى رسول الله ﷺ ألا لا يحجنّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان" وقيل : إن هذا خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحد آمناً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٨
واختلف في جواز دخول الكافر المسجد، فجوّزه أبو حنيفة ومنعه مالك، وفرق الشافعيّ بين المسجد الحرام وغيره فمنع من الأوّل، وجوّز في الثاني بشرط إذن المسلم والحاجة، وغلّظ ورش اللام من أظلم بعد الظاء ﴿لهم في الدنيا خزي﴾ أي : هوان بالقتل والسبي والجزية ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ بكفرهم وظلمهم وهو النار.
ونزل لما عيرت اليهود المؤمنين في نسخ القبلة وقالوا : ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هذا وتارة هذا كما قاله عكرمة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت به راحلته كما قاله ابن عمر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٨
﴿ولله المشرق والمغرب﴾ أي : ناحيتا الأرض أي : له الأرض كلها لا يختص به مكان دون مكان فإن منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام والأقصى فقد جعلت لكم الأرض كلها مسجداً ﴿فأينما تولوا﴾ وجوهكم أيّ جهة وهو الصدر في الصلاة ﴿فثم﴾ أي : هناك ﴿وجه الله﴾ أي : قبلته كما قاله مجاهد، وقال الكلبيّ : فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى :﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ (القصص، ٨٨) أي : إلا هو ﴿إن الله واسع﴾ أي : غنيّ يعطي من السعة يسع فضله كلّ شيء ﴿عليم﴾ بتدبير خلقه.
ونزل لما قالت اليهود : عزير ابن الله، وقالت النصارى : المسيح ابن الله، وقال مشركو
١٠٠
العرب : الملائكة بنات الله.
﴿وقالوا اتخذ الله ولداً﴾ فقال الله تعالى ردّاً عليهم :﴿سبحانه﴾ تنزيهاً له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه والحاجة وسرعة الفناء وقرأ ابن عامر قالوا : بغير واو قبل القاف والباقون بالواو وقبل القاف ﴿بل له ما في السموات والأرض﴾ ملكاً وخلقاً ومن جملة ذلك العزير والمسيح والملائكة والملكية تنافي الولدية وعبر بما تغليباً لما لا يعقل لكثرته ﴿كلّ له قانتون﴾ أي : منقادون كلّ بما يراد منه لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه وفي ذلك تغليب للعاقل لشرفه والآية مشعرة على فساد ما قالوه من ثلاثة أوجه الأول : قوله : سبحانه والثاني : قوله : بل له ما في السموات والأرض والثالث : كل له قانتون واحتج بها الفقهاء على أنّ من ملك ولده عتق عليه ؛ لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك وذلك يقتضي تنافيهما.
﴿بديع السموات والأرض﴾ أي : موجدهما لا على مثال سبق وهذا وجه رابع يشعر بفساد ما قالوه أيضاً ؛ لأنّ الوالد عنصر الولد المنفصل بانفصال مادّته عنه والله سبحانه وتعالى مبدع الأشياء كلها فاعل على الإطلاق منزه عن الصفات فلا يكون والداً ﴿وإذا قضى أمراً﴾ أي : أراد إيجاد شيء وأصل القضاء إتمام الشيء قولاً كان كقوله تعالى :﴿وقضى ربك﴾ (الإسراء، ٢٣) أو فعلاً كقوله تعالى :﴿فقضاهنّ سبع سموات﴾ (فصلت، ١٢) وأطلق على تعليق الارادة الإلهية وجود الشيء من حيث أنه يوجبه ﴿فإنما يقول له كن فيكون﴾ وهذا مجاز من الكلام وتمثيل وإنما المعنى أنّ ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما أنّ المأمور المطيع الذي يؤمر فيتمثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء، وفيه تقرير لمعنى الإبداع دائماً وهذا وجه خامس يشعر بفساد ما قالوه أيضاً ؛ لأن اتخاذ الولد مما يكون بأطوار ومهلة وفعله تعالى مستغن عن ذلك، وقرأ ابن عامر بنصب النون : من يكون جواباً للأمر والباقون بالرفع على معنى فهو يكون.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٠
فإن قيل : المعدوم لا يخاطب أجيب : بأنه لما قدّر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فُصحّ خطابه.