يدفعه. وعن أبي حنيفة أنه واجب يجبر بدم. وعن مالك والشافعيّ أنه ركن لقوله ﷺ "اسعوا فإنّ الله تعالى كتب عليكم السعي" رواه البيهقيّ وغيره. وقال ﷺ "ابدؤوا بما بدأ الله به" يعني : الصفا رواه مسلم ﴿ومن تطوّع خيراً﴾ أي : فعل طاعة فرضاً كان أو نفلاً أو زاد على ما فرض الله عليه من حج أو عمرة أو طواف، ونصب خيراً على أنه صفة مصدر محذوف أي : تطوّعاً أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه أي : بخير.
وقرأ حمزة والكسائيّ يطوّع بالياء على التذكير وتشديد الطاء والواو وسكون العين وأصله يتطوّع فأدغم مثل يطوف، والباقون بالتاء على الحضور وتخفيف الطاء وفتح العين ﴿فإنّ الله شاكر﴾ لعمله بالإثابة عليه ﴿عليم﴾ بنيته.
تنبيه : الشكر من الله أن يعطى العبد فوق ما يستحقه فإنه يشكر اليسير ويعطي الكثير.
ونزل في علماء اليهود :
﴿إن الذين يكتمون﴾ الناس كأحبار اليهود ﴿ما أنزلنا من البينات﴾ كآية الرحم ونعت محمد ﷺ ﴿والهدى﴾ أي : ما يهدي إلى وجوب اتباعه ﷺ والإيمان به ﴿من بعدما بيناه﴾ أوضحناه ﴿للناس في الكتاب﴾ أي : التوراة أي : لم ندع فيه موضع إشكال ولا اشتباه على أحد منهم، فعمدوا إلى ذلك المبين الواضح، فكتموه ولبسوا على الناس ﴿أولئك يلعنهم الله﴾ وأصل اللعن الطرد والبعد ﴿ويلعنهم اللاعنون﴾ أي : يسألون الله أن يلعنهم ويقولون : اللهمّ الَعنهم.
تنبيهان : أحدهما : اختلف في هؤلاء اللاعنين، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هم جميع الخلائق إلا الجنّ والإنس، وقال عطاء : هم الجنّ والإنس، وقال الحسن : هم جميع عباد الله، وقال مجاهد : البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا أمسك المطر وتقول : هذا من شؤم ذنوب بني آدم.
ثانيهما : هذه الآية توجب إظهار علوم الدين منصوصة ومستنبطة وتدل على امتناع أخذ الأجرة على ذلك. وقد روى الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : إنكم تقولون أَكثر أبو هريرة عن النبيّ ﷺ وأيم الله لولا آية في كتاب الله ما حدّثت أحداً بشيء أبداً وتلا :﴿إنّ الذين يكتمون﴾ الآية".
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٠
١٢٣
﴿إلا الذين تابوا﴾ أي : رجعوا عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب منه ﴿وأصلحوا﴾ ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم ﴿وبينوا﴾ ما بيّنه الله تعالى في كتابهم فكتموه ﴿فأولئك أتوب عليهم﴾ أتجاوز عنهم وأقبل توبتهم ﴿وأنا التوّاب﴾ أي : الرجّاع لقلوب عبادي المنصرفة عني إليّ ﴿الرحيم﴾ بهم بعد إقبالهم عليّ.
﴿إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفار﴾ أي : من لم يتب من الكاتمين حتى مات ﴿أولئك عليهم لعنة الله و﴾ لعنة ﴿الملائكة و﴾ لعنة ﴿الناس أجمعين﴾ لعنهم الله أحياء، ثم لعنهم أمواتاً، وقال أبو العالية : هذا يوم القيامة يوقف الكافر فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم تلعنه الناس.
فإن قيل : قد قال الله تعالى :﴿والناس أجمعين﴾ وفي الناس المسلم والكافر وأهل دينه لا يلعنونه ؟
أجيب بأجوبة :
منها : أنّ المراد منهم من يعتد بلعنه وهم المؤمنون، قاله ابن مسعود : وعلى هذا فيكون من العام الذي أريد به الخاص.
ومنها : أنهم يلعنونه في القيامة قال تعالى :﴿يلعن بعضكم بعضاً﴾ (العنكبوت، ٢٥) وقال :﴿كلما دخلت أمّة لعنت أختها﴾ (الأعراف، ٣٨).
ومنها : أنّ اللعنة من الأكثر يطلق عليها لعنة جميع الناس تغليباً لحكم الأكثر على الأقلّ.
ومنها : أنهم يلعنون الظالمين والكافرين، ومن لعن الظالمين أوالكافرين وهم منهم، فقد لعن نفسه، ومعنى لعنة الله لهم تبرّؤه منهم وطردهم وتبعيدهم عن الرحمة والثواب أو دعاؤه عليهم بذلك.
﴿خالدين فيها﴾ أي : اللعنة أو النار المدلول بها عليها ﴿لا يخفف عنهم العذاب﴾ طرفة عين ﴿ولا هم ينظرون﴾ من الانظار أي : لا يمهلون ولا يؤجلون أو لا ينظرون ليتعذروا كقوله تعالى :﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ (المرسلات، ٣٦) أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.
ولما قال كفار قريش : يا محمد صف لنا ربك وانسبه لنا.
نزل ﴿وإلهكم إله واحد﴾ وسورة الإخلاص، والواحد هو الذي لا نظير له ولا شريك وقوله تعالى :﴿لا إله إلا هو﴾ تقرير للوحدانية ودفع ؛ لأن يتوهم أنّ في الوجود إلهاً ولكن لا يستحق منهم العبادة وقوله تعالى :﴿الرحمن الرحيم﴾ كالدليل على الوحدانية، فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها بقوله : الرحمن، فإنه مولى جلائل النعم وفروعها بقوله : الرحيم، فإنه مولى لطائف النعم ودقائقها وما سواه تعالى. إما نعمة أو منعم عليه، فلم يستحق العبادة أحد غيره وهما خبران آخران لقوله : إلهكم أو لمبتدأ محذوف. وعن أسماء بنت يزيد أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول :"إنّ في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم وإلهكم إله واحد" إلخ.. ﴿وا لا إله إلا هو الحيّ القيوم﴾.
١٢٤
ولما سمع المشركون هذه الآية وكان لهم حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً تعجبوا وقالوا : إن كنت صادقاً فائت بآية نعرف بها صدقك.


الصفحة التالية
Icon