جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٨
إنا} أي : بما لنا من العظمة والقدرة ﴿كفيناك المستهزئين﴾ أي : شرّ الذين هم عريقون في الاستهزاء وهم خمسة نفر من رؤوساء قريش الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث، ووصف سبحانه وتعالى هؤلاء بقوله تعالى :
﴿الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر﴾ وقيل : ليس بصفة بل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو ﴿فسوف يعلمون﴾ أي : عاقبة أمرهم في الدارين. ولما ذكر سبحانه وتعالى أنّ قومه يسفهون عليه ولا سيما أولئك المقتسمون قال له تعالى :
﴿ولقد نعلم﴾ أي : نحقق وقوع علمنا ﴿أنك﴾ أي : على ما لم من الحلم وسعة البطان ﴿يضيق صدرك﴾ أي : يوجد ضيقه ويتجدد ﴿بما يقولون﴾ أي : من الاستهزاء والتكذيب بك وبالقرآن لأنّ الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك فعند هذا قال تعالى :
﴿فسبح﴾ ملتبساً ﴿بحمد ربك﴾ أي : نزهه عن صفات النقص. وقال الضحاك : قل سبحان الله وبحمده. وقال ابن عباس : فصلّ بأمر ربك. ﴿وكن من الساجدين﴾ أي : من المصلين. روي أنه ﷺ "كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة". وقدّمت معناه في سورة البقرة. تنبيه : اختلف الناس كيف صار الإقبال على الطاعات سبباً لزوال ضيق القلب والحزن فقال العارفون المحققون : إذا اشتغل الإنسان بهذه الأنواع من العبادات يتنوّر باطنه ويشرق عليه وينفسح وينشرح صدره فعند ذلك يعرف قدر الدنيا وحقارتها فلا يلتفت إليها. وقال بعض الحكماء : إذا نزل بالإنسان بعض المكاره ففزع إلى الطاعات فكأنه يقول : يا رب يجب عليّ عبادتك سواء أعطيتني الخيرات أو ألقيتني في المكروهات فأنا عبدك بين يديك فافعل بي ما تشاء.
٢٤٠
﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ قال ابن عباس : يريد الموت، وسمى الموت يقيناً لأنه أمر متيقن وهذا مثل قوله تعالى في سورة مريم :﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً﴾ (مريم، ٣١)
. وروى البغوي بسنده عن ابن جبير قال : قال رسول الله ﷺ "ما أوحى الله إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحى إليّ أن ﴿سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾". فإن قيل : أي : فائدة لهذا التوقيت مع أنّ كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات ؟
أجيب : بأنّ المراد منه واعبد ربك في جميع زمان حياتك فلا تخل لحظة من لحظات الدنيا بهذه العبادات. وعن عمر رضي الله عنه قال : نظر رسول الله ﷺ إلى مصعب بن عمير مقبلاً وعليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله ﷺ "انظروا إلى هذا الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب ولقد رأيت عليه حلة شراها أو قال شريت له بمائتي درهم فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون". وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال :"من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد ﷺ. حديث موضوع.
٢٤١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٨