جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
واللام في قوله تعالى :﴿ليحملوا﴾ لام العاقبة كما في قوله تعالى :﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزناً﴾ (القصص، ٨٠)
وذلك لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين كان عاقبتهم بذلك أن يحملوا ﴿أوزارهم﴾ أي : ذنوب أنفسهم وإنما قال تعالى :﴿كاملة﴾ لئلا يتوهم أنه يكفر عنهم شيء بسبب البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البرّ التي عملوها في الدنيا بل يعاقبون بكل أوزارهم ﴿يوم القيامة﴾ الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه. قال الرازي : وهذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً في حق الكل لم يكن
٢٥٣
لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة ﴿و﴾ ليحملوا أيضاً ﴿من﴾ جنس ﴿أوزار﴾ الجهلة الضعفاء ﴿الذين يضلونهم﴾ وقوله تعالى :﴿بغير علم﴾ حال من مفعول يضلونهم، أي : يضلون من يعلم أنهم ضلال أو من الفاعل وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل وإنما حصل للرؤوساء الذين أضلوا غيرهم وصدّوهم عن الإيمان مثل أوزار الأتباع لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال :"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" أخرجه مسلم. ومعنى الآية والحديث أنّ الرئيس والكبير إذا سنّ سنة حسنة أو سيئة قبيحة فتبعه عليها جماعة فعملوا بها فإن الله تعالى يعطيهم ثوابه وعقابه حتى يكون ذلك الثواب والعقاب مساوياً لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع الذين عملوا بالسنة الحسنة أو القبيحة، وليس المراد بأن الله يوصل جميع الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤوساء ويدل لذلك قوله تعالى :﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (الأنعام، ١٦٤)
. وقوله تعالى :﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ (النجم، ٣٩)
. تنبيه : قال الواحدي : لفظة من في قوله تعالى :﴿ومن أوزار﴾ ليست للتبعيض لأنها لو كانت كذلك لنقص عن الأتباع بعض الأوزار وقد قال ﷺ "لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" لكنها للجنس كما قدّرت ذلك في الآية الكريمة، أي : ليحملوا من جنس أوزار الأتباع. وقيل : إنها للتبعيض وجرى عليه البيضاوي تبعاً للزمخشري. ﴿ألا ساء﴾ أي : بئس ﴿ما يزرون﴾ أي : يحملون حملهم هذا وفي هذا وعيد وتهديد لهم. فإن قيل : إنّ الله تعالى حكى هذه الشبهة عن القوم ولم يجب عنها بل اقتصر على محض الوعيد فما السبب في ذلك ؟
أجيب : بأنّ السبب فيه أنه تعالى بيّن كون القرآن معجزاً بطريقين : الأوّل : أنه ﷺ تحداهم أولاً بكل القرآن وثانياً بعشر سور وثالثاً بسورة فعجزواعن المعارضة وذلك يدل على كونه معجزاً الثاني : أنه تعالى حكى هذه الشبهة بعينها في آية أخرى وهي قوله تعالى :﴿اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً﴾ (الفرقان، ٥٠)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
وأبطلها بقوله تعالى :﴿قل أنزله الذي يعلم السرّ في السموات والأرض﴾ (الفرقان، ٦)
. ومعناه أنّ القرآن يشتمل على الإخبار بالغيوب، وذلك لا يتأتى إلا ممن يكون عالماً بأسرار السموات والأرض. ولما ثبت كون القرآن معجزاً بهذين الطريقين وتكرّر شرح هذين الطريقين مراراً كثيرة لا جرم اقتصر في هذه الآية على مجرّد الوعيد ولم يذكر ما يجري مجرى الجواب عن هذه الشبهة ثم إنه سبحانه وتعالى بالغ في وصف وعيد هؤلاء الكفار بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
أي : ممن رأوا آثارهم في ديارهم ﴿فأتى الله﴾ أي : أمره ﴿بنيانهم من القواعد﴾ أي : من جهة العمد التي بنوا عليها مكرهم ﴿فخرّ﴾ أي : سقط ﴿عليهم السقف من فوقهم﴾ وصار سبب هلاكهم وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم.
٢٥٤