﴿وإن كذبوك﴾ أي : وإن كذبوك يا محمد بعد الزام الحجة ﴿فقل﴾ لهم ﴿لي عملي﴾ من الطاعة وجزاء ثوابها ﴿ولكم عملكم﴾ من الشرك وجزاء عقابه، أي : فتبرأ منهم فقد أعذرت، والمعنى : لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً. ﴿أنتم بريؤن مما أعمل وأنا برئ مما تعملون﴾ لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم. واختلف في معنى ذلك فقيل : معنى الآية الزجر والردع. وقيل : بل معناه استمالة قلوبهم. وقال مقاتل والكلبي : هذه الآية منسوخة بآية السيف. قال الرازي : وهذا بعيد ؛ لأنّ شرط الناسخ أن يكون رافعاً لحكم المنسوخ، ومدلول هذه الآية اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب، وذلك لا يقتضي حرمة القتال، وآية القتال ما رفعت شيئاً من مدلولات هذه الآية، فكان القول بالنسخ باطلاً انتهى. ولا تنبغي هذه المبالغة مع مثل من ذكر، وقد تبعهما جماعة من المفسرين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١
ولما قسم تعالى الكفار قسمين : منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به قسم من لا يؤمن به قسمين : منهم من يكون في نهاية البغض له والعداوة له ونهاية النفرة عن قبول دينه، ومنهم من لا يكون، كذلك، فوصف القسم الأول في قوله تعالى :﴿ومنهم﴾ أي : من هؤلاء المشركين، ﴿من يستمعون إليك﴾ إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع بأسماعهم الظاهرة، ولا ينفعهم لشدّة عداوتهم وبغضهم لك، فإن الإنسان إذا قوي بغضه لآخر وعظمت نفرته منه صارت نفسه معرضة عن جميع جهات محاسن كلامه ﴿أفأنت تسمع الصم﴾ أي : أتقدر على إسماعهم ﴿ولو كانوا﴾ مع الصمم ﴿لا يعقلون﴾ أي : لأنّ الأصمّ العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دويّ الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعاً فقد تم الأمر، فكما أنك لا تقدر على إسماع الأصم الذي لا يعقل لا تقدر على إسماع من أصم الله تعالى قلبه، فإنَّ الله تعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما
٢٤
يستمعون ولم يوفقهم لذلك، فشبههم بالصم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم، ثم وصف القسم الثاني في قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١
ولما قسم تعالى الكفار قسمين : منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به قسم من لا يؤمن به قسمين : منهم من يكون في نهاية البغض له والعداوة له ونهاية النفرة عن قبول دينه، ومنهم من لا يكون، كذلك، فوصف القسم الأول في قوله تعالى :﴿ومنهم﴾ أي : من هؤلاء المشركين، ﴿من يستمعون إليك﴾ إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع بأسماعهم الظاهرة، ولا ينفعهم لشدّة عداوتهم وبغضهم لك، فإن الإنسان إذا قوي بغضه لآخر وعظمت نفرته منه صارت نفسه معرضة عن جميع جهات محاسن كلامه ﴿أفأنت تسمع الصم﴾ أي : أتقدر على إسماعهم ﴿ولو كانوا﴾ مع الصمم ﴿لا يعقلون﴾ أي : لأنّ الأصمّ العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دويّ الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعاً فقد تم الأمر، فكما أنك لا تقدر على إسماع الأصم الذي لا يعقل لا تقدر على إسماع من أصم الله تعالى قلبه، فإنَّ الله تعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما
٢٤
يستمعون ولم يوفقهم لذلك، فشبههم بالصم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم، ثم وصف القسم الثاني في قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١
﴿ومنهم من ينظرون إليك﴾ أي : يعاينون دلائل نبوّتك ولا يصدّقونك ﴿أفأنت تهدي العمي﴾ أي : أتقدر على هدايتهم ﴿ولو كانوا﴾ مع العمى ﴿لا يبصرون﴾ أي : لا بصيرة لهم ؛ لأنَّ الأعمى الذي في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن، فأمّا العمى مع الحمق فجهد البلاء، فلا تقدر على هداية من أعمى الله بصيرته، فهؤلاء في اليأس من أن يقبلوا أو يصدقوا كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر، فلا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا الله تعالى.
تنبيه : اختلف في أنّ السمع أفضل أو البصر فمنهم من قال : السمع، واحتج على ذلك بأمور
٢٥
منها تقدّمه في الآية، ومنها : أنّ القوة السامعة تدرك المسموع من جميع الجوانب، والقوّة الباصرة لا تدرك المرئيّ إلا من جهة واحدة، وهي المقابل، ومنها : أنّ الإنسان إنما يستفيد العلم من التعلم من الأستاذ، وذلك لا يكون إلا بقوة السمع، فاستكمال النفس بالكمالات العلمية لا يحصل إلا بقوة السمع. ومنها : أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يراهم الناس ويسمعون كلامهم، فنبوّتهم ما حصلت بسبب ما معهم من الصفات المرئية، وإنما حصلت بسبب ما معهم من الأحوال المسموعة وهو الكلام وتبليغ الشرائع، وبيان الأحكام. ومنها : أنّ المعنى الذي يمتاز به الإنسان من سائر الحيوانات هو النطق بالكلام، وإنما ينتفع بذلك بالقوّة السامعة، فمتعلق السمع النطق الذي يحصل به شرف الإنسان، ومتعلق البصر إدراك الألوان والأشكال، وذلك أمر مشترك فيه بين الناس وبين سائر الحيوانات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥


الصفحة التالية
Icon