﴿ضرب الله﴾ أي : الذي له كمال العلم وتمام القدرة. ﴿مثلاً﴾ بالأحرار والعبيد ثم أبدل من مثلاً ﴿عبداً﴾ وقيده بقوله تعالى :﴿مملوكاً﴾ ليخرج الحرّ. لأنّ العبد يطلق على الحرّ بالنسبة إلى الله تعالى وقيده بقوله تعالى :﴿لا يقدر على شيء﴾ ليخرج المكاتب ومن فيه شائبة حرّية وهذا مثل شركائهم ثم عطف على عبداً قوله :﴿ومن﴾ أي : وحرًّا فهي نكرة موصوفة ليطابق عبداً ﴿رزقناه منا رزقاً حسناً﴾ أي : واسعاً طيباً ﴿فهو ينفق منه﴾ دائماً وهو معنى قوله تعالى :﴿سراً وجهراً﴾ أي : يتصرف فيه كيف يشاء وهذا مثل الإله وله المثل الأعلى ثم بكتهم إنكاراً عليهم بقوله تعالى :﴿هل يستوون﴾ أي : هذان الفريقان الممثل بهما لأن المراد الجنس فإذا كان لا يسوغ في عقل أن يسوّى بين مخلوقين أحدهما حرّ مقتدر والآخر مملوك عاجز، فكيف يسوّى بين حجر من صوّان أو غيره وبين الله تعالى الذي له القدرة التامّة على كل شيء، وقيل : ذلك تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق. تنبيه : جواب هل يستوون هو لا يستوون. وقوله تعالى :﴿الحمد لله﴾ قال ابن عباس : الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد، وقيل المعنى : أن كل الحمد لله، وليس شيء من الحمد للأصنام لأنه لا نعمة لها على أحد لأنها جماد عاجز، أي : إنما الحمد لله لا لغيره فيجب على جميع العباد حمد الله لأنه تعالى أهل المحامد والثناء الحسن، فكأنهم قالوا : نحن نعلم ذلك فقيل :﴿بل أكثرهم﴾ أي : الكفار ﴿لا يعلمون﴾ لكونهم يسوّونه غيره ومن نفى عنه أصل العلم الذي هو أعلى صفات الكمال. كان في عداد الأنعام فهم لذلك يشبهون به ما ذكر ويضربون له الأمثال الباطلة ويضيفون نعمه إلى غيره.
٢٨٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨
ثم إنه تعالى ضرب لعبدة الأوثان مثلاً آخر بقوله تعالى :﴿وضرب الله مثلاً﴾ ثم أبدل منه ﴿رجلين﴾ ثم استأنف البيان لما أجمل فقال ﴿أحدهما أبكم﴾ وهو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : الأبكم الذي لا يسمع و لايبصر وصف الله تعالى هذا الرجل بصفة ثانية بقوله تعالى :﴿لايقدر على شيء﴾ لأنه لايفهم و لاَيُفهم وفي ذلك إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل ثم وصفه الله تعالى بصفة ثالثة بقوله تعالى :﴿وهو﴾ أي : ذلك الأبكم العاجز﴿كلّ على مولاه﴾ أي : ثقيل على من ولي أمره ويعوله، قال أهل المعاني : أصله من الغلظ الذي هو نقيض الحدة يقال : كلّ السكين إذا غلظت شفرته فلم تقطع وكلَّ اللسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينهض فيه ثم وصفه تعالى بصفة رابعة بقوله :﴿أينما يوجهه﴾ أي : يرسله ويصرفه ذلك المولى ﴿لا يأت بخير﴾ لأنه عاجز لا يحسن و لا يفهم، قيل : هذا مثل شركائهم الذين هم عيال ووبال على عبدتهم ووبخهم الله تعالى بقوله :﴿هل يستوي هو﴾ أي : هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع ﴿ومن﴾ أي : ورجل آخر على ضد صفته فهو ناطق قادر عالم فطن قوي خبير مبارك ميمون ﴿يأمر﴾ أي : ورجل آخر بماله من العلم والقدرة ﴿بالعدل﴾ أي : يبذل النصيحة لغيره ﴿وهو﴾ في نفسه ظاهراً وباطناً ﴿على صراط﴾ أي : طريق واضح ﴿مستقيم﴾ أي : عامل فيه بما يأمر به، قيل : هذا مثال المعبود بالحق الذي يكفي عابديه جميع المؤن وهو دال على كمال علمه وتمام قدرته، وقيل : المراد من هذا الأبكم عبد لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان ذلك العبد يكره الإسلام وما كان فيه خير
٢٨١
ومولاه وهو عثمان يأمر بالعدل وكان على الدين القويم والصراط المستقيم، وقيل : المراد كل عبد موصوف بهذه الصفات المذمومة وكل حر موصوف بتلك الصفات الحميدة وهذا القول كما قال الرازي أولى من الأول لأن وصفه تعالى إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن وكذلك بالبكم وبالكلّ وبالتوجه في جهات المنافع وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله تعالى و أيضاً المقصود تشبيه صورة بصورة في أمر من الأمور وذلك التشبيه لا يتم إلا عند كون إحدى الصورتين مغايرة للأخرى، وأمّا القول الثاني فضعيف أيضاً لأنّ المقصود إبانة التفرقة بين رجلين موصوفين بالصفات المذكورة وذلك غير مختص بشخص معين بل إذا حصل التفاوت في الصفات المذكورة فإنه يحصل المقصود.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨١


الصفحة التالية
Icon