﴿ويقولون متى هذا الوعد﴾ الذي تعدنا به يا محمد من نزول العذاب ومن قيام الساعة وإنما قالوا ذلك على وجه التكذيب والاستبعاد ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي : فيما تعدونا به، وإنما قالوا بلفظ الجمع على سبيل التعظيم أو خطاب للنبيّ ﷺ والمؤمنين، وإن كان كل أمة قالوا لرسولها مثل ذلك وهو الموافق لقوله تعالى :﴿ولكل أمّة رسول﴾ قال الله تعالى :
﴿قل﴾ أي : قل لهم يا محمد ﴿لا أملك لنفسي ضرًّا﴾ من مرض أو فقر أدفعه ﴿ولا نفعاً﴾ من صحة أو غنىً أجلبه ﴿إلا ما شاء الله﴾ أن يقدرني عليه، فكيف أملك لكم حلول العذاب أوقيام الساعة ولا يقدر على ذلك أحد إلا الله تعالى ﴿لكل أمة أجل﴾ أي : مدّة مضروبة ﴿إذا جاء أجلهم﴾ أي : انقضت مدّة أعمارهم ﴿فلا يستأخرون﴾ أي : لا يتأخرون ﴿عنه ساعة﴾ ثم عطف على الجملة الشرطية بكمالها ﴿ولا يستقدمون﴾ أي : ولا يتقدّمون، أي : ولا يستعجلون ؛ فإنّ الوفاء بالوعد لابدّ منه، والسين فيهما بمعنى الوجدان، أي : لا يوجد لهم المعنى الذي منع منه الفعل، ويجوز أن يكون المعنى لا يجدون التأخر ولا التقدّم وإن اجتهدوا في الطلب، فيكون في السين معنى الطلب. وتدلّ الآية على أنَ أحداً لا يموت إلا بانقضاء أجله، وكذا المقتول لا يقتل إلا على هذا الوجه. وقرأ قالون والبزي
٢٧
وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى، وسهل ورش وقنبل الثانية وأبدلها أيضاً حرف مد، والباقون بالتحقيق. قال الله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥
قل﴾
أي : قل لهم يا محمد أيضاً ﴿أرأيتم إن أتاكم عذابه﴾ الذي تستعجلون به ﴿بياتاً﴾ أي : في الليل بغتة كما يفعل العدوّ ﴿أو نهاراً﴾ أي : وقت أنتم فيه تشتغلون بطلب المعاش والكسب ﴿ماذا﴾ أي : أيّ شيء ﴿يستعجل منه﴾ أي : من عذابه وعذاب كل مكروه لا يحتمل شيء منه ﴿المجرمون﴾ أي : المشركون، وضع المجرمون موضع المضمر للدّلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء الوعيد لا أن يستعجلوا، وجملة الاستفهام متعلقة بأرأيتم، وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه.
﴿أثمَّ إذا ما وقع﴾ أي : حل بكم ﴿آمنتم﴾ أي : آمنتم بالله أو العذاب وقت نزول العذاب وهو وقت اليأس، والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم، وقوله تعالى :﴿آلآن﴾ على إرادة القول، أي : قيل لهم إذا آمنوا وقت نزول العذاب آلآن ﴿وقد كنتم به تستعجلون﴾ تكذيباً واستهزاءً.
تنبيه : اتفق قالون مع ورش على النقل هنا، واتفق القراء كلهم على همزة الوصل التي بعد همزة الاستفهام إن فيها وجهين : وهما البدل والتسهيل. وقوله تعالى :
﴿ثم قيل للذين ظلموا﴾ عطف على قيل المقدّر، أي : من، أي : قائل كان استهانة بهم. وقرأ هشام والكسائي بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الياء، والباقون بالكسر ﴿ذوقوا عذاب الخلد﴾ أي : الذي تخلدون فيه، والاتيان بثم إشارة إلى تراخي ذلك عن الإهلاك في الدنيا بالمكث في البرزخ أو إلى أن عذابه أدنى من عذاب يوم الدين ﴿هل﴾ أي : ما ﴿تجزون إلا بما كنتم تكسبون﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي ﴿ويستنبئونك﴾ أي : يستخبرونك يا محمد ﴿أحق هو﴾ أي : ما وعدتنا به من نزول العذاب وقيام الساعة وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء، قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة ﴿قل﴾ لهم في جوابهم ﴿إي وربي إنه لحق﴾ أي : كائن ثابت لا بدّ من نزوله بكم.
تنبيه : أي : بمعنى نعم وهو من لوازم القسم، ولذلك توصل بواوه في التصديق فيقال : إي والله، ولا ينطقون به وحده. ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي : بفائتين العذاب ؛ لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨
ولو أنّ لكل نفس ظلمت﴾
أي : أشركت ﴿ما في الأرض﴾ من الأموال ﴿لافتدت به﴾ من عذاب يوم القيامة ولم ينفعها الفداء لقوله تعالى ﴿ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون﴾ (البقرة، ٤٨). ﴿وأسروا الندامة لما رأوا العذاب﴾ أي : حين عاينوه وأبصروه صاروا مبهوتين متحيرين فلم يطيقوا عنده بكاءً ولا صراخاً سوى إسرار الندم كالحال فيمن ذهب به ليصلب ؛ فإنه يبقى مبهوتاً متحيراً لا ينطق بكلمة. وقيل : إنهم أخلصوا لله في تلك الندامة، ومن أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم ؛ لأنهم إنما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوا به في دار الدنيا وقت التكليف، وقيل : المراد بالإسرار الإظهار، وهو من الأضداد ؛ لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة، وفي القيامة بطل هذا فوجب الإظهار وليس هناك تخلد. فإن قيل : أسرّوا جاء على لفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة أجيب : بأنها لما كانت واجبة الوقوع جعل الله مستقبلها كالماضي. ﴿وقضي بينهم﴾ أي : بين
٢٨
الخلائق ﴿بالقسط﴾ أي : بالعدل ﴿وهم لا يظلمون﴾.


الصفحة التالية
Icon