ومنها ما روي أنه ﷺ كان نائماً في بيت أمّ هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به، ورجع من ليلته، وقص القصة على أمّ هانئ. وقال :"مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أمّ هانئ بثوبه فقال : ما لك ؟
قالت : أخشى أن يكذبك الناس وقومك إن أخبرتهم. قال : وإن كذبوني فخرج إليهم". وروي أنه لما رجع رسول الله ﷺ ليلة أسري به، فكان بذي طوى قال :"يا جبريل إنّ قومي لا يصدّقوني. قال : يصدّقك أبو بكر الصدّيق". قال ابن عباس وعائشة عن رسول الله ﷺ "لما كانت ليلة أسري بي فأصبحت بمكة قطعت بأمري وعرفت أنّ الناس يكذبوني". فروي "أنه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزيناً فمرّ به أبو جهل فجلس إليه فقال كالمستهزئ : هل استفدت من شيء ؟
قال : نعم، أسري بي الليلة. قال : إلى أين ؟
قال : إلى بيت المقدس. قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟
قال : نعم. فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤيّ هلموا فانفضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما قال : حدّث قومك بما حدّثتني. قال : نعم، إني قد أسري بي الليلة. قالوا : إلى أين ؟
قال : إلى بيت المقدس. قالوا : ثم أصبحت بين أظهرنا ؟
قال : نعم فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً وارتدّ ناس ممن كان آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه. فقالوا له : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة
٣٠٩
إلى بيت المقدس. قال : أو قد قال ؟
قالوا : نعم. قال : إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا : تصدّقه على ذلك ؟
قال : إني لأصدّقه على أبعد من ذلك أصدّقه على خبر السماء في غدوة أو روحة فسمي الصدّيق. قال : وفي القوم من كان يأتي المسجد الأقصى، فقالوا : فهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الأقصى قال : نعم. قال : فذهبت أنعت وأنعت فما زلت أنعت حتى التبس عليّ. قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل، فنعت المسجد وأنا أنظر إليه فقال القوم : أما النعت فو الله لقد أصاب ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أهمّ إلينا هل لقيت منها شيئاً قال : نعم مررت على عير بني فلان وهي بالروحاء وقد أضلوا بعيراً لهم وهم في طلبه وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته وشربته ثم وضعته كما كان فاسألوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه. قالوا هذه آية قال : ومررت بعير بني فلان وفلان وفلان راكبان قعوداً لهما فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان فانكسرت يده فاسألوهما عن ذلك. قالوا : وهذه آية. قالوا : فأخبرنا عن عيرنا متى تجيء قال : مررت بها بالتنعيم قالوا : فما عدّتها وما حملها وما أحمالها ومن فيها. فقال : هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان تطلع عليكم عند طلوع الشمس قالوا : وهذه آية، ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون : والله لقد قص محمد شيئاً وبينه حتى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه إذ قال قائل منهم : هذه الشمس والله قد أشرقت فقال آخر : والله وهذه العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين" والأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل لحماً قاله الجوهري.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٦


الصفحة التالية
Icon