رؤيا رآها قال ومما يدل على أنّ الإسراء ليلة فرض الصلاة كانت بالجسم ما ورد في بعض طرق الحديث أنه ﷺ استوحش لما زج به في النور ولم ير معه أحداً إذ الأرواح لا توصف بالوحشة ولا بالاستيحاش قال : ومما يدلك على أنّ الإسراء كان بجسمه ما وقع له من العطش فإنّ الأرواح المجردة لا تعطش، ولما كان ﷺ قد وصل الجحيم وأخبر ﷺ أنّ شجرة الزقوم تنبت في أصل الجحيم وكان ذلك في غاية الغرابة ضمها إلى الإسراء في ذلك بقوله تعالى :﴿والشجرة الملعونة في القرآن﴾ لأنّ فيها امتحاناً أيضاً بل قال بعض المفسرين هي على التقديم والتأخير والتقدير وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس. واختلف في هذه الشجرة فالأكثرون قالوا : إنها شجرة الزقوم المذكورة في قوله تعالى :﴿إنّ شجرة الزقوم طعام الأثيم﴾ (الدخان : ٤٣، ٤٤)
فكانت الفتنة في ذكر هذه الشجرة من وجهين الأول أنّ أبا جهل قال : زعم صاحبكم أنّ نار جهنم تحرق الحجارة حيث قال :﴿وقودها الناس والحجارة﴾ (البقرة، ٢٤)
ثم يقول في النار شجرة والنار تأكل الشجر فكيف يولد فيها الشجر. والثاني : قال ابن الزبعري : ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فتزقموا منه فأنزل الله تعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجراً ﴿إنا جعلناها فتنة للظالمين﴾ (الصافات، ٤٣)
الآيات ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ (الأنعام، ٩١)
من قال ذلك فإن الله تعالى قادر على أن يجعل الشجرة من جنس لا تأكله النار فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فيذهب الوسخ وبقيت سالمة لا تعمل فيها النار، وترى النعامة تبلع الجمر وتبلع الحديد الحمر بإحماء النار فلا يضرها ثم أقرب من ذلك أنه تعالى جعل في الشجر ناراً فما تحرقه قال تعالى :﴿الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً﴾ (يس، ٨٠)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٢
فإن قيل : ليس في القرآن لعن هذه الشجرة ؟
أجيب : عن ذلك بوجوه الأوّل المراد لعن الكفار الذين يأكلونها لأنّ الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن على الحقيقة، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز. الثاني : أنّ العرب تقول لكل طعام ضار إنه ملعون. الثالث : أنّ اللعن في اللغة الإبعاد ولما كانت هذه الشجرة مبعدة عن صفات الخير سميت ملعونة، وقيل إنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي اليهود لقوله تعالى :﴿لعن الذين كفروا﴾ (المائدة، ٧٨)
الآية. وقيل : هي الشيطان. وقيل أبو جهل. وعن ابن عباس هي الكشوث التي تتلوى بالشجر تجعل في الشراب.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أنه يرسل بالآيات تخويفاً قال هنا أيضاً :﴿ونخوّفهم فما يزيدهم﴾ أي : الكافرين والتخويف بالقرآن. ﴿إلا طغياناً كبيراً﴾ أي : تجاوز للحد هو في غاية العظم فبتقدير أن يظهر الله تعالى لهم المعجزات التي اقترحوها لم يزدادوا بها إلا تمادياً في الجهل والعناد فاقتضت الحكمة أن لا يظهر الله لهم ما اقترحوه من الآيات والمعجزات فإنهم قد خوّفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر، وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات. ولما نازع القوم رسول الله ﷺ وعاندوه واقترحوا عليه الاقتراحات الباطلة لأمرين الكبر والحسد، أمّا الكبر فلأن تكبرهم كان يمنعهم من الانقياد، وأمّا الحسد فلأنهم كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من النبوّة فبيّن تعالى أنّ هذا الكبر والحسد هما اللذان حملا إبليس على الخروج عن الإيمان والدخول في الكفر بقوله تعالى :
﴿وإذ﴾ أي : واذكر إذ ﴿قلنا﴾ بما لنا من العظمة التي لا ينقض مرادها ﴿للملائكة﴾ حين خلقنا أباك آدم وفضلناه ﴿اسجدوا لآدم﴾ أي : امتثالاً لأمري
٣٥٣


الصفحة التالية
Icon