وبقي الوجوب في حقه ﷺ بدليل قوله تعالى :﴿نافلة لك﴾ أي : زيادة لك مختصة بك. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ النبيّ ﷺ قال :"ثلاث هنّ عليّ فريضة وهنّ سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل" والصحيح أنه نسخ في حقه أيضاً ودليل النسخ رواه مسلم وقد وردت أحاديث كثيرة في قيام الليل منها ما روي "عن المغيرة بن شعبة أنه قام رسول الله ﷺ حتى انتفخت قدماه فقيل له : أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟
قال : أفلا أكون عبداً شكوراً". ومنها ما روي عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : لأرمقنّ صلاة رسول الله ﷺ الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين ثم ركعتين طويلتين ثم ركعتين طويلتين، ثم ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة، فلهذا قيل : إنه أكثر الوتر وهو أحد قولي الشافعيّ والمرجح عنده أن أكثره إحدى عشرة ركعة، لما رواه أبو سلمة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن صلاة رسول الله ﷺ فقالت : ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. ، أي : وتراً يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ثم يصلي ثلاثاً قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟
فقال :"يا عائشة إن عيني تنام ولا ينام قلبي". ومنها ما روي عن أنس بن مالك قال :"ما كنا نشاء أن نرى رسول الله ﷺ في الليل مصلياً إلا رأيناه وما نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه" وفي رواية غيره قال : وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئاً ويفطر
٣٦٥
حتى نقول لا يصوم منه شيئاً ثم قال تعالى :﴿عسى أن يبعثك ربك﴾ أي : المحسن إليك ﴿مقاماً محموداً﴾ أتفق المفسرون على أنّ كلمة عسى من الله واجب. قال أهل المعاني : لأن لفظة عسى تفيد الأطماع ومن أطمع إنساناً في شيء ثم حرمه كان عاراً والله أكرم من أن يطمع أحدنا في شيء ثم لا يعطيه ذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦٤
وأمّا المقام المحمود فقال الواحدي : أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما قال ﷺ في هذه الآية :"هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي". وقال حذيفة : يجمع الناس في صعيد واحد فلا تتكلم نفس فأوّل مدعو محمد ﷺ فيقول :"لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت". فقال هذا هو المراد من قوله تعالى :﴿عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾.
ويدل للأوّل أحاديث ؛ منها ما روي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله ﷺ "لكل نبيّ دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً". ومنها ما روي عن جابر أنه قال : أنّ رسول الله ﷺ قال :"من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة". ومنها ما روي عن أنس أنّ النبي ﷺ قال :"يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحاً أوّل نبيّ بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحاً فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب بسؤال ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهنّ ولكن ائتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجياً. قال : فيأتون موسى فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله وكلمته قال : فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر قال : فيأتوني فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول : ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه. قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء يعلمنيه قال ثم أشفع فيحدّ لي حدّاً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع
٣٦٦


الصفحة التالية
Icon