والثاني عشر : إظلال الجبل، وهو قوله تعالى :﴿وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة﴾. (الأعراف، ١٧١)
والثالث عشر : إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى قومه. والرابع عشر والخامس عشر : قوله تعالى :﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات﴾ (الأعراف، ١٣٠)
والسادس عشر : الطمس على أموالهم حجارة من النخل والدقيق والأطعمة والدراهم والدنانير. روي أنّ عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب عن قوله تعالى :﴿تسع آيات بينات﴾ ()
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٦
فذكر محمد بن كعب في جملة التسع حل عقدة اللسان والطمس. فقال عمر بن عبد العزيز : هكذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال : يا غلام أخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا بيض مكسور نصفين وجوز مكسور وفوم وعدس وحمص كلها حجارة، وقوله تعالى :﴿فاسأل﴾، أي : يا أعظم خلقنا ﴿بني إسرائيل﴾ يجوز أن يكون الخطاب للنبيّ ﷺ والمراد غيره. وقرأ ابن كثير والكسائيّ بفتح السين ولا همزة بعدها، والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ويجوز أن يكون الخطاب له خاصة وأمره بالسؤال لهم ليتبين له كذبهم مع قومهم، أي : فاسأل بني إسرائيل عامّة الذين نبهوا قريشاً على السؤال عن الروح كما في بعض الروايات، وعن أهل الكهف وذي القرنين وعن حديث موسى عليه السلام والمؤمنين منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿إذ﴾، أي : عن ذلك حين ﴿جاءهم﴾، أي : جاء آباءهم فوقع له من التكذيب بعد إظهار المعجزات الباهرات ما وقع لك ﴿فقال﴾، أي : فذهب إلى فرعون فأمره بإرسالهم معه فأبى فأظهر له الآيات واحدة بعد أخرى فتسبب عن ذلك صدق ما
٣٧٩
يقتضيه الحال وهو أن قال :﴿له فرعون﴾ عتوًّا واستكباراً ﴿إني لآظنك يا موسى مسحوراً﴾، أي : مخدوعاً مغلوباً على عقلك فكل ما ينشأ عنك فهو من آثار السحر وهذا كما قالت قريش للنبيّ ﷺ ﴿إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً﴾. (الإسراء، ٤٧)
وقال في موضع آخر ساحر وأنهم ربما أطلقوا اسم المفعول مريدين اسم الفاعل مبالغة لأنه كالمخبر عن الفعل وفي الأمر بسؤال اليهود تنبيه على ضلالهم ولما لم يؤمن فرعون على تواتر تلك الآيات وعظمها فكأنه قيل فما قال موسى عليه السلام ؟
فقيل :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿قال﴾ لفرعون ﴿لقد علمت﴾ بفتح التاء قراءة غير الكسائيّ وقرأ الكسائيّ بضمها على إخباره عن نفسه. ﴿وما أنزل هؤلاء﴾، أي : الآيات ﴿إلا رب السموات والأرض﴾، أي : خالقهما ومدبرهما حال كون هذه الآيات ﴿بصائر﴾، أي : بينات يبصر بها صدقي، وأمّا السحر فإنه لا يخفى أنه خيال لا حقيقة له ولكنك تعاند. تنبيه : قوله تعالى : هؤلاء الكلام عليه من جهة الهمزتين كالكلام على هؤلاء إن كنتم في البقرة وقد تقدّم الكلام على ذلك.
ثم حكى الله تعالى أن موسى قال لفرعون :﴿وإني﴾، أي : وإن ظننتني يا فرعون مسحوراً ﴿لأظنك يا فرعون مثبوراً﴾، أي : ملعوناً مطروداً ممنوعاً من الخير فاسد العقل فعارضه موسى بذلك وشتان بين الظنين فإن ظنّ فرعون كذب صرف لعناده لرب العالمين لوضوح مكابرته للبصائر التي كشف عنها ربها الغطاء فهي أوضح من الشمس، وظنّ موسى عليه السلام قريب إلى الصحة واليقين من نظائر أماراته لأن هذه الآيات ظاهرة وهذه المعجزات قاهرة. ولا يرتاب العاقل أنها من عند الله وفي أنه تعالى أظهرها لأجل تصديقي وأنت منكرها فلا يحملنك على هذا الإنكار إلا الحسد والعناد والبغي والجهل وحب الدنيا ومن كان كذلك كانت عاقبته الدمار والثبور ﴿فأراد﴾، أي : فما تسبب عن هذا الذي هو موجب للإيمان في العادة إلاأن فرعون أراد ﴿أن يستفزهم﴾، أي : يستخف بموسى وبمن آمن معه ويخرجهم فيكونوا كالماء إذا سال من قولهم فز الجرح إذا سال. ﴿من الأرض﴾ بالنفي والقتل للتمكن منهم كما أراد هؤلاء أن يستفزوك منها مما هم عليه من الكفر والعناد. ثم أخذ تعالى يحذرهم سطواته بما فعل بمن كان قبلهم وأكثر منهم وأشدّ بقوله تعالى :﴿فأغرقناه﴾، أي : فتسبب عن ذلك أن رددنا كيده في نحره كما قال تعالى :﴿ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ (فاطر، ٤٣)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٠
أراد فرعون أن يخرج موسى من أرض مصر لتتخلص له تلك
٣٨٠
البلاد والله تعالى أهلك فرعون وجعل تلك الأرض خالصة لموسى ولقومه فأدخله البحر حين أدخل بني إسرائيل فأنجاهم وأغرق آل فرعون ﴿ومن معه جميعاً﴾ كما جرت به سنة الله تعالى فيمن عاند بعد أن رأى الخوارق وكفر النعمة وأفرط في البغي بعد ظهور الحق فليحذر هؤلاء مثل ذلك ولا سيما إذا خرج رسولنا من بين أظهرهم ففي هذه الآية وأمثالها بشارة له ﷺ في أنّ الله تعالى يسلك به في النصرة والتمكن سبيل إخوانه من الرسل عليهم الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon