إذاً}، أي : إن رجعتم إلى ملتهم ﴿أبداً﴾ بل تكونوا خاسرين. قال بعض العلماء : ولا خوف على المؤمن الفارّ بدينه أعظم من هذين الأمرين أحدهما ما فيه هلاك النفس وهو الرجم الذي هو أخبث أنواع القتل والآخر هلاك الدين. فإن قيل : أليس أنهم لو أكرهوا على الكفر حتى أظهروا الكفر لم يكن عليهم مضرة فكيف قالوا ﴿ولن تفلحوا إذاً أبداً﴾ أجيب : بأنهم خافوا أنهم لو بقوا على الكفر مظهرين له فقد يميل بهم ذلك إلى الكفر الحقيقي فكان خوفهم بسبب هذا الاحتمال. فإن قيل : ما النكتة في العدول عن واحدكم إلى أحدكم وكل ذلك دال على الوحدة ؟
أجيب : بأنّ النكتة فيه أنّ العرب إذا قالوا أحد القوم أرادوا به فرداً منهم وإذا قالوا واحد القوم أرادوا رئيسهم والمراد في القصة، أي : واحد كان والقرآن الكريم أنزل بلغتهم فراعى ما راعوا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٣
﴿وكذلك﴾، أي : ومثل ما فعلنا بهم ذلك الأمر العظيم من الربط على قلوبهم والستر والحماية من الطالبين لهم والحفظ لأجسادهم على ممرّ الزمان وتعاقب الحدثان وغير ذلك ﴿أعثرنا﴾، أي : أطلعنا غيرهم ﴿عليهم﴾ يقال عثرت على كذا علمته وأصله أنّ من كان غافلاً عن شيء فعثر به نظر إليه فعرفه فكان العثر سبباً لحصول العلم فأطلق السبب على السبب بقوله تعالى :﴿ليعلموا﴾ متعلق بأعثرنا والضمير قيل يعود على مفعول أعثرنا المحذوف تقديره أعثرنا الناس وقيل يعود إلى أهل الكهف وهذا هو الظاهر ﴿أنّ وعد الله﴾ الذي له صفات الكمال بالبعث للروح والجثة معاً ﴿حق﴾ لأنّ قيامهم بعد نومهم يتقلبون نيفاً وثلاثمائة سنة مثل من مات ثم بعث.
قال بعض العارفين : علامة اليقظة بعد النوم علامة البعث بعد الموت.
ولما كان من الحق ما قد يداخله شك قال تعالى :﴿وأنّ﴾، أي : وليعلموا أنّ ﴿الساعة﴾، أي : آتية ﴿لا ريب﴾، أي : لا شك ﴿فيها﴾.
تنبيه : اختلف في السبب الذي عرف الناس واقعة أصحاب الكهف، فقال محمد بن إسحاق : إنّ ملك تلك البلاد رجل صالح يقال له تندوسيس، فلما ملك بقي في ملكه ثمانية وستين سنة فتحزب الناس في مملكته فكانوا أحزاباً ؛ منهم من يؤمن بالله ويعلم أنّ الساعة حق، ومنهم من يكذب بها فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرّع إلى الله تعالى وحزن حزناً شديداً لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون : لا حياة إلا الدنيا وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد، وجعل الملك يرسل إلى من يظن فيهم خيراً وأنهم أئمة في الخلق فلم يقبلوا منه، وجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا يخرجون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك دخل بيته وأغلق بابه عليه ولبس مسحاً وجعل تحته رماداً، فجلس عليه ودأب ليله ونهاره زماناً يتضرّع إلى الله تعالى ويبكي، أي : رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم، قوله يقال له تندوسيس الذي في حياة الحيوان يقال تاودوسيوس فليحرّر اه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
ثم إنّ الله تعالى الذي يكره هلكة عباده أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليهم ليعلموا أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، ويستجيب لعبده تندوسيس ويتم نعمته عليه، وأن يجمع من كان تبدّد من المؤمنين وألقى الله في نفس رجل من تلك البلد الذي فيه الكهف أن يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف، فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان تلك الحظيرة حتى إذا نزعا ما على فم الكهف وفتحا باب الكهف أذن الله تعالى ذو القدرة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهري الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم
٣٩٨


الصفحة التالية
Icon