أي : الخائضون في قصتهم من أهل الكتاب والمؤمنين فقال بعض أهل الكتاب :﴿ثلاثة رابعهم كلبهم﴾، أي : هم ثلاثة رجال ورابعهم كلبهم بانضمامه إليهم ﴿ويقولون﴾، أي : بعضهم ﴿خمسة سادسهم كلبهم﴾ فهذان القولان لنصارى نجران وقيل الأوّل قول اليهود والثاني قول النصارى. فإن قيل : لم جاءت سين الاستقبال في الأوّل دون الأخيرين ؟
أجيب : بانّ في ذلك وجهين أن تدخل الأخيرين في حكم السين كما تقول قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له. ولما كان قولهم ذلك بغير علم كان ﴿رجماً بالغيب﴾، أي : ظناً في الغيبة عنهم فهو راجع إلى القولين معاً ونصب على المفعول له، أي : لظنهم ذلك ﴿ويقولون﴾، أي : المؤمنون ﴿سبعة وثامنهم كلبهم﴾ قال أكثر المفسرين : هذا الأخير هو الحق ويدل عليه وجوه الأوّل أنه تعالى لما حكى قوله ﴿ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم﴾ قال بعده :﴿قل ربي أعلم بعدّتهم ما يعلمهم إلا قليل﴾ وأتبع القولين الأوّلين بقوله تعالى :﴿رجماً بالغيب﴾ وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أنّ الحال في الباقي بخلافه أن يكون المخصوص بالظنّ الباطل هو القولان الأوّلان، وأن يكون القول الثالث مخالفاً لهما في كونه رجماً بالغيب. الوجه الثاني : أنّ الواو في قوله تعالى :﴿وثامنهم﴾ هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالاً من المعرفة في نحو قولك جاءني رجل ومعه آخر توكيد للصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أنّ اتصافه بها أمرثابت مستقرّ فكانت هذه الواو دالة على أنّ الذين كانوا في الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، وقول محمد بن إسحاق : إنهم كانوا ثمانية مردود فكأنّ الله تعالى حكى اختلافهم وتم الكلام عند قوله :﴿ويقولون سبعة﴾ ثم حقق هذا القول بقوله تعالى :﴿وثامنهم كلبهم﴾ والثامن لا يكون إلا بعد السبع وهذه الواو يسمونها واو الثمانية لأنّ العرب تعد فتقول واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأنّ العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ونظير هذه الآية في ثلاث آيات وهو قوله تعالى :﴿والناهون عن المنكر﴾ (التوبة، ١١٢)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
وقوله تعالى :﴿حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها﴾ (الزمر، ٧١)
لأنّ ابواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة. وقوله تعالى :﴿ثيبات وأبكاراً﴾ (التحريم، ٥)
. قال القفال : وقولهم واو الثمانية ليس بشيء بدليل قوله تعالى :﴿هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر﴾ (الحشر، ٢٣)
ولم يذكروا الواو في النعت الثامن اه. وقد يجاب بأنّ ذلك جرى على الغالب. الوجه الثالث : أنه تعالى قال :﴿ما يعلمهم إلا قليل﴾ وهذا يقتضي أنه حصل العلم بعدّتهم لذلك القليل. وكان ابن عباس يقول : أنا من أولئك العدد القليل وكان يقول : إنهم سبعة وثامنهم كلبهم. وكان عليّ رضي الله تعالى عنه يقول : كانوا سبعة. وقال الرازي : وأسماؤهم تمليخا مكسلمينا مشلينا وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك وعن يساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان الملك يستشير هؤلاء الستة ليتصرّفوا في مهماته، والسابع كشفططيوش وهو الراعي الذي وافقهم لما هربوا من ملكهم. وروي عن ابن عباس أنه قال : هم مكشلمينا وتمليخا ومرطونس ويدنونس ودونواقس وكقشططونس وهو الراعي واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم أفسوس.
٤٠٣
تنبيه : في الآية حذف والتقدير سيقولون هم ثلاثة كما تقدّم تقديره فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه وقيل : الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم، أي : ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على الظنّ. ثم إنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعها بأن نهى رسوله ﷺ عن شيئين عن المراء وعن الاستفتاء أمّا النهي عن المراء فبقوله تعالى :﴿فلا تمار﴾، أي : تجادل ﴿فيهم﴾، أي : في شأن الفتية ﴿إلا مراء﴾، أي : جدالاً ﴿ظاهراً﴾، أي : غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما في القرآن من غير أن تكذبهم في تعيين ذلك العدد ونظيره قوله تعالى :﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾ (العنكبوت، ٤٦)، وأمّا النهي عن الاستفتاء فقوله تعالى :﴿ولا تستفت فيهم﴾، أي : ولا تسأل ﴿منهم﴾، أي : من أهل الكتاب اليهود ﴿أحداً﴾ عن قصتهم سؤال مسترشد لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم وفيما أوحى إليك مندوحة عن غيره ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده فإنه يخل بمكارم الأخلاق. ولما سأل أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال النبيّ ﷺ أخبركم به غداً ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوماً وفي رواية أخرى أربعين يوماً نزل :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
ولا تقولنّ لشيء﴾، أي : لأجل شيء تعزم عليه ﴿إني فاعل ذلك﴾ الشيء ﴿غداً﴾، أي : فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة.