ولولا إذ}، أي : وهلا حين ﴿دخلت جنتك قلت﴾ عند إعجابك بها ما يدل على تفويضك الأمر فيها وفي غيرها إلى الله تعالى وهو ﴿ما شاء الله﴾، أي : الأمر ما شاء الله أو ما شاء الله كائن على أنّ ما موصولة، أي : وأي شيء شاء الله كان على أنها شرطية والجواب محذوف، أي : إقراراً بأنها وما فيها بمشيئة الله تعالى إن شاء أبقاها وإن شاء أهلكها، وقرأ ابن ذكوان وحمزة بالإمالة والباقون بالفتح وإذا وقف حمزة وهشام على شاء أبدل الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر، وأظهر إذ عند الدال نافع وابن كثير وعاصم والباقون بالإدغام وهلا قلت :﴿لا قوّة إلا بالله﴾ اعترافاً بالعجز على نفسك والقدرة لله وأنّ ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونة الله تعالى وإقداره أو لا يقوى أحد في بدنه ولا في غير ذلك إلا بالله. وفي الحديث "من أعطى خيراً من أهل أو مال فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوّة إلا بالله لم ير فيه مكروهاً" ثم إنّ المؤمن لما أعلم الكافر بالإيمان أجابه عن افتخاره بالمال والنفس فقال :﴿إن ترني أنا أقلّ منك مالاً وولداً﴾ أي : من جهة المال والولد، ويحتمل أن يكون أنا فصلاً وأن يكون تأكيداً للمفعول الأوّل. وقرأ قالون وأبو عمرو بإثبات الياء وصلاً وحذفها وقفاً، وابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً، والباقون بالحذف وقفاً ووصلاً وقوله تعالى :
﴿فعسى ربي﴾، أي : المحسن إليّ ﴿أن يؤتيني﴾ من خزائن رزقه ﴿خيراً من جنتك﴾ إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة لإيماني جواب الشرط ﴿ويرسل عليها﴾، أي : جنتك ﴿حسباناً﴾ جمع حسبانة، أي : صواعق ﴿من السماء فتصبح﴾ بعد كونها قرّة للعين بما تهتز به من الأشجار والزروع ﴿صعيداً زلقاً﴾، أي : أرضاً ملساء باستئصال بنيانها وأشجارها فلا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم وقوله :
﴿أو يصبح ماؤها غوراً﴾، أي : غائراً في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء مصدر وصف به كالزلق ﴿فلن تستطيع﴾ أنت ﴿له﴾، أي : للماء الغائر ﴿طلباً﴾ يصير بحيث لا تقدر على ردّه إلى موضعه، ثم إنه أخبر الله تعالى أنه حقق ما قدّره هذا المؤمن فقال :
﴿وأحيط﴾، أي : وقعت الإحاطة بالهلاك وبني للمفعول لأنّ النكد حاصل بإحاطة الهلاك من غير نظر إلى فاعل مخصوص والدلالة على سهولته ﴿بثمره﴾، أي : الرجل المشرك كله واستؤصل هالكاً ما في السهل منه وما في الجبل وما يصبر منه على البرد والحر وما لا يصبر. قال بعض المفسرين : إنّ الله تعالى أرسل عليها ناراً فأهلكتها وغار ماؤها ﴿فأصبح يقلب كفيه﴾ ندماً ويضرب أحداهما على الأخرى تحسراً فتقلب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأنّ النادم يقلب كفيه ظهراً لبطن كما يكنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد لأنه في معنى الندم فعدى تعديته كأنه قيل فأصبح يندم ﴿على ما أنفق فيها﴾، أي : في عمارتها ونمائها ﴿وهي خاوية﴾، أي : ساقطة ﴿على عروشها﴾، أي : دعائمها التي كانت تحتها
٤١٨
فسقطت على الأرض وسقطت هي فوقها. وقوله تعالى :﴿ويقول﴾ عطف على يقلب أو حال من ضميره ﴿يا﴾ للتنبيه ﴿ليتني﴾ تمنياً لرد ما فاته لحيرته وذهول عقله ودهشته وعدم اعتماده على الله تعالى من غير إشراك بالاعتماد على الفاني ﴿لم أشرك بربي أحداً﴾ كما قال له صاحبه فندم حيث لا ينفعه الندم على ما فرّط في الماضي لأجل ما فاته على الدنيا لا حرصاً على الإيمان لحصول الفوز في العقبى لقصور عقله ووقوفه مع المحسوسات المشاهدة. فإن قيل : إنّ هذا الكلام يوهم أن جنته إنما هلكت بشؤم شركه وليس مراداً لأنّ أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى :﴿ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون﴾ (الزخرف، ٣٣)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٧
وقال ﷺ "خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل". وأيضاً لما قال :﴿يا ليتني لم أشرك بربي أحداً﴾ فقد ندم على الشرك ورغب في التوحيد فوجب أن يصير مؤمناً فلم قال تعالى بعده :
﴿ولم تكن له فئة﴾، أي : جماعة من نفره الذين اغتر بهم ولا من غيرهم ﴿ينصرونه﴾ مما وقع فيه ﴿من دون الله﴾ عند هلاكها ﴿وما كان﴾ هو ﴿منتصراً﴾ بنفسه بل ليس الأمر في ذلك إلا لله وحده. أجيب : عن الأوّل بأنه لما عظمت حسراته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وكان معرضاً في عمره كله عن طلب الدين فلما ضاعت الدنيا بالكلية بقي محروماً من الدنيا والدين، وعن الثاني بأنه إنما ندم على الشرك لاعتقاده أنه لو كان موحداً غير مشرك لبقيت عليه جنته فهو إنما رغب في ذلك لأجل طلب الدنيا فلذلك لم يقبل الله توحيده. وقرأ حمزة والكسائي يكن بالتحتيتة على التذكير والباقون بالفوقية على التأنيث. ولما أنتج هذا المثل قطعاً أنه لا أمر لغير الله تعالى المرجو لنصر أوليائه بعد ذلهم ولإغنائهم بعد فقرهم ولإذلال أعدائهم بعد عزهم وكبرهم وإفقارهم بعد إغنائهم وحده وإن غيره إنما هو كالخيال لا حقيقة له، صرّح بذلك في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon