عبادك أعلم ؟
قال :"الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى"، فقال : إن كان في عبادك أفضل مني فادللني عليه قال : أعلم منك الخضر، قال : أين أطلبه ؟
قال : على ساحل عند الصخرة، قال كيف لي به ؟
قال : تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك ﴿آتيناه﴾ بعظمتنا ﴿رحمة من عندنا﴾ أي : وحياً ونبوة وكونه نبياً هو قول الجمهور، وقيل : إنه ليس بنبي. قال البغوي : عند أهل العلم أي : فعندهم أنه وليّ ﴿وعلمناه من لدنا﴾ أي : مما لم يجر على قوانين العادات على أنه ليس بمستغرب عند أهل الاصطفاء ﴿علماً﴾ قذفناه في قلبه بغير واسطة، وأهل التصوّف سموا العلم بطريق المكاشفة العلم اللدني فإذا سعى العبد في الرياضات بتزين الظاهر بالعبادات وتخلي النفس عن العلائق وعن الأخلاق الرذيلة بتحليتها بالأخلاق الجميلة صارت القوى الحسية والخيالية ضعيفة فإذا ضعفت قويت القوى العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية في جوهرة العقل وحصلت المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب في التفكر والتأمّل وهذا هو المسمى بالعلوم اللدنية، ثم أورد سبحانه وتعالى القصة على طريق الاستئناف على تقدير سؤال سائل عن كل كلام يرشد إليه ما قبله وذلك أنه من المعلوم أنّ الطالب للشخص إذا لقيه كمله لكن لا يعرف عين ذلك الكلام فقال : لمن ؟
كأنه سأل عن ذلك
﴿قال له موسى﴾ طالباً منه على سبيل التأدّب والتلطف بإظهار ذلك في قالب الاستئذان ﴿هل أتبعك﴾ أي : اتباعاً بليغاً حيث توجهت والاتباع الإتيان بمثل فعل الغير لمجرّد كونه آتياً به وبين أنه لا يطلب منه غير العلم بقوله :﴿على أن تعلمني﴾ أثبت الياء نافع وأبو عمرو وصلاً لا وقفاً وابن كثير وصلاً ووقفاً والباقون بالحذف وزاد في التعطف بالإشارة إلى أنه لا يطلب جميع ما عنده ليطول عليه الزمان بل جوامع منه يسترشد بها إلى باقيه فقال :﴿مما علمت﴾ وبناه للمفعول لعلم المتخاطبين لكونهما من المخلصين بأن الفاعل هو اللّه تعالى وللإشارة إلى سهولة كل أمر إلى اللّه تعالى ﴿رشداً﴾ أي : علماً يرشدني إلى الصواب فيما أقصده، وقرأ أبو عمرو بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء وسكون الشين.
ولما أتم موسى عليه السلام العبارة عن السؤال.
﴿قال﴾ له الخضر عليه السلام ﴿إنك﴾ يا موسى ﴿لن تستطيع معي صبراً﴾ نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها لا تصح ولا تستقيم وفتح الياء من معي صبراً في المواضع الثلاثة هنا حفص وسكنها الباقون ثم علل عدم الصبر معه واعتذر عنه بقوله :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
وكيف تصبر﴾
يا موسى ﴿على ما لم تحط به خبراً﴾ أي : وكيف تصبر على أمور وأنت نبيّ ظاهرها مناكير والرجل الصالح لا يتمالك أن يصبر إذا رأى ذلك بل يبادر ويأخذ في الإنكار وخبراً مصدر لمعنى لم تحط به أي : لم تخبر حقيقته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
٤٣٣
﴿قال﴾ له موسى عليه السلام آتياً بنهاية التواضع لمن هو أعلم منه إرشاداً لما ينبغي في طلب العلم رجاء تسهيل اللّه تعالى له النفع به ﴿ستجدني﴾ فأكد الوعد بالسين ثم أخبر تعالى أنه قوّي تأكيده بالتبرك بذكر الله تعالى لعلمه بصعوبة الأمر على الوجه الذي تقدّم الحق عليه في هذه السورة في قوله تعالى ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء اللّه ليعلم أنه منهاج الأنبياء فقال :﴿إن شاء اللّه﴾ أي : الذي له صفات الكمال ﴿صابراً﴾ على ما يجوز الصبر عليه ثم زاد التأكيد بقوله : عطفاً بالواو على صابراً لبيان التمكن في كل من الموضعين ﴿ولا أعصي﴾ أي : وغير عاص ﴿لك أمراً﴾ تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر اللّه تعالى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٣


الصفحة التالية
Icon