سبب تسميته بذلك وجوهاً، الأول : قال أبو الطفيل سئل علي رضي اللّه عنه عن ذي القرنين أكان نبياً أم ملكاً ؟
قال : لم يكن نبياً ولا ملكاً ولكن كان عبداً صالحاً أمر قومه بتقوى اللّه تعالى فضربوه على قرنه الأيمن فمات، ثم بعثه اللّه تعالى فأمرهم بتقوى اللّه تعالى فضربوه على قرنه الأيسر فمات، ثم بعثه اللّه تعالى فسمي ذا القرنين، فيكم مثله يعني نفسه، الثاني : أنه انقرض في وقته قرنان من الناس، الثالث : أنه كان صفحتا رأسه من نحاس، الرابع : كان على رأسه ما يشبه القرنين، الخامس : كان لتاجه قرنان، السادس : أنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، السابع : كان له قرنان أي : ضفيرتان، الثامن : أنّ اللّه تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهدي النور من أمامه وتمتدّ الظلمة من ورائه، التاسع : أنه لقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشاً لأنه ينطح أقرانه، العاشر : أنه رأى في المنام كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي الشمس وقرنيها أي : جانبيها فسمي بذلك لهذا السبب، الحادي عشر : أنه كان له قرنان تواريهما العمامة، الثاني عشر : أنه دخل النور والظلمة، وذكروا في اسمه أيضاً وجوهاً الأول : اسمه مرزبان اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح، الثاني : اسمه اسكندر بن فيلفوس الرومي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه أقصى المشرق والمغرب وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الاسكندرية وسماها باسم نفسه، الثالث : شمر بن عمر بن أفريقيس الحميري وهو الذي بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها وافتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٢
قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً
** ملكاً علا في الأرض غير مفند
*بلغ المشارق والمغارب يبتغي
** أسباب ملك من كريم سيد
واختلفوا في نبوّته مع الاتفاق على إيمانه فقال بعضهم : كان نبياً واحتجوا على ذلك بوجوه، الأول : قوله تعالى :
﴿إنا مكنا له في الأرض﴾ وحمل على التمكين في الدنيا والتمكين الكامل في الدين هو النبوّة، الثاني : قوله تعالى :﴿وآتيناه من كل شيء سبباً﴾ وهذا يدل على أنه تعالى آتاه من النبوّة سبباً، الثالث : قوله تعالى :﴿يا ذا القرنين إما أن تعذب﴾ الخ والذي يتكلم اللّه معه لا بد أن يكون نبياً ومنهم من قال : إنه كان عبداً صالحاً ملكه اللّه تعالى الأرض وأعطاه اللّه سبحانه وتعالى الملك والحكمة وألبسه الهيبة وقد قالوا : ملك الأرض مؤمنان ذوالقرنين وسليمان وكافران نمروذ وبختنصر ومنهم من قال : إنه كان ملكاً من الملائكة، عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنه سمع رجلاً يقول : يا ذا القرنين فقال : اللهم غفراً أما رضيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة، والأكثر على القول الثاني، ويدل له قول عليّ رضي اللّه تعالى عنه المتقدم.
تنبيه : قد قدّمنا أنّ اليهود أمروا المشركين أن يسألوا رسول اللّه ﷺ عن قصة أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين وعن الروح، والمراد من قوله تعالى :﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾ هو ذلك السؤال، ثم قال اللّه تعالى :﴿قل﴾ أي : لهؤلاء المتعنتين ﴿سأتلو﴾ أي : أقص قصاً متتابعاً في مستقبل الزمان أعلمني اللّه تعالى به ﴿عليكم﴾ أي : أيها البعداء، والضمير في قوله تعالى :﴿منه﴾ لذي القرنين وقيل للّه تعالى ﴿ذكراً﴾ أي : خبراً كافياً لكم في تعرّف أمره جامعاً لمجامع ذكره
٤٤٣
﴿إنا مكنا له في الأرض﴾ أي : مكنا له أمره من التصرّف فيها مكنة يصل بها إلى جميع مسالكها ويظهر بها على سائر ملوكها ﴿وآتيناه﴾ بعظمتنا ﴿من كل شيء﴾ يحتاج إليه في ذلك ﴿سبباً﴾ أي : وصله توصله إليه من العلم والقدرة والآلة
﴿فأتبع سبباً﴾ أي : سلك طريقاً نحو المغرب قال البقاعي : ولعله بدأ به لأن باب التوبة فيه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر واتبع في المواضع الثلاثة بتشديد التاء الفوقية ووصل الهمزة قبل الفوقية والباقون بقطع الهمزة وسكون التاء الفوقية واستمرّ متبعاً له
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٢