أي : مسمى بيحيى، قال قتادة والكلبي : لم يسمّ أحد قبله بيحيى.
تنبيه : سمياً مأخوذ من السمّو وفيه دلالة لقول البصريين إن الاسم من السمو، ولو كان من الوسم لقيل وسيماً، وقال سعيد بن جبير وعطاء : لم نجعل له شبهاً ومثلاً كما قال تعالى :﴿هل تعلم له سمياً﴾ أي : مثلاً والمعنى أنه لم يكن له مثل لأنه لم يعص ولم يهمّ بمعصية
٤٥٧
قط، وردّ هذا لأن هذا يقتصي تفضيله على الأنبياء قبله كإبراهيم وموسى وليس كذلك، وقيل : لم يكن له ميل إلى أمر النساء لأنه كان سيداً وحصوراً، وعن ابن عباس لم تلد العواقر مثله ولداً، ثم كأنه قيل : فما قال في جواب هذه البشارة العظيمة ؟
فقيل :
﴿قال﴾ عالماً بصدقها طالباً لتأكيدها وللتلذذ بترديدها وهل ذلك من امرأته أو من غيرها ؟
وهل إذا كان منها يكونان على حالتهما من الكبر أو غيرها غير طائش ولا عجل ؟
﴿رب﴾ أيها المحسن إليّ بإجابة الدعاء دائماً ﴿أنّى﴾ أي : من أين وكيف وعلى أي : حال ﴿يكون لي غلام﴾ يولد في غاية القوة والنشاط والكمال في الذكورة ﴿وكانت﴾ أي والحال أنه كانت ﴿امرأتي﴾ إذ كانت شابة ﴿عاقراً﴾ غير قابلة للولد وأنا وهي شابان فلم يأتنا ولد لاختلال أحد السبيلين فكيف بها وقد أيست ؟
قال الجلال المحلي : بلغت ثماناً وتسعين سنة ﴿وقد بلغت﴾ أنا ﴿من الكبر عتياً﴾ من عتا يبس أي : نهاية السنّ، قال الجلال المحلي : مائة وعشرين سنة وبما تقرر سقط ما قيل لم تعجب زكريا عليه السلام بقوله : أنى يكون لي غلام مع أنه هو الذي طلب الغلام، وقرأ حفص وحمزة والكسائي عتياً وصلياً وجثياً بكسر عين الأوّل وصاد الثاني وجيم الثالث وضم الباقون، وأما بكياً فكسر الباء الموحدة حمزة والكسائي وضمها الباقون، وأصل عتي عتو وكسرت التاء تخفيفاً وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة، والثانية ياء لتدغم فيها وإنما استعجب للولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافاً بأن المؤثر فيه كامل القدرة وأن الوسايط عند المحققين ملغاة ولذلك
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٧
قال﴾
أي : اللّه تعالى كما قال الأكثرون لأن زكريا إنما كان يخاطب اللّه ويسأله بقوله : رب إني وهن العظم مني أو الملك المبلغ للبشارة تصديقاً له لقوله تعالى :﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن اللّه يبشرك بيحيى﴾ (آل عمران، ٣٩)
وأيضاً فإنه لما قال : وقد بلغت من الكبر عتياً قال :﴿كذلك﴾ أي : الأمر كذلك فهو خبر مبتدأ محذوف ثم علله بقوله :﴿قال ربك﴾ أي : الذي عوّدك بالإحسان فدل ذلك على أنه كلام الملك، قال ابن عادل : ويمكن أن يجاب بأنه يحتمل أن يحصل النداآن نداء اللّه تعالى ونداء الملك، ثم ذكر مقول القول فقال :﴿هو﴾ أي : خلق يحيى منكما على هذه الحالة ﴿عليّ﴾ أي : خاصة ﴿هين﴾ أي : بأن أردّ عليك قوّة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق ﴿وقد خلقتك﴾ أي : قدّرتك وصوّرتك وأوجدتك ﴿من قبل ولم﴾ أي : والحال أنك لم ﴿تك شيئاً﴾ بل كنت معدوماً صرفاً وفيه دليل على أنّ المعدوم ليس بشيء ولإظهار اللّه تعالى هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها، وقرأ حمزة والكسائي بعد القاف بنون بعدها ألف والباقون بعد القاف بتاء مضمومة. ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
﴿قال رب اجعل لي﴾ على ذلك ﴿آية﴾ أي : علامة تدلني على وقوعه ﴿قال آيتك﴾ على وقوع ذلك ﴿أن لا تكلم الناس﴾ أي : لا تقدر على كلامهم بخلاف ذكر اللّه تعالى ﴿ثلاث ليال﴾ أي : بأيامها كما في آل عمران ثلاثة أيام حال كونك ﴿سوياً﴾ من غير خرس ولا مرض وجعلت الآية الدالة عليه سكوت ثلاثة أيام ولياليهن من غير ذكر اللّه دلالة على اخلاصه وانقطاعه بكليته إلى اللّه تعالى دون غيره
﴿فخرج﴾ عقب إعلام اللّه تعالى له بهذا ﴿على قومه من المحراب﴾ أي : من المسجد وهم ينتظرونه أن يفتح لهم الباب متغيراً لونه فأنكروه وهو منطلق اللسان بذكر اللّه تعالى منحسبه عن كلام الناس فقالوا : مالك يا نبيّ اللّه ؟
﴿فأوحى إليهم﴾ أي : أشار بشفتيه من غير نطق، وقال مجاهد :
٤٥٨
كتب لهم في الأرض ﴿أن سبحوا﴾ أي : أوجدوا التنزيه والتقديس للّه تعالى بالصلاة وغيرها ﴿بكرة وعشياً﴾ أي : أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملت امرأته بيحيى، قال الجلال المحلي : وبعد ولادته بسنين قال اللّه تعالى له :
﴿يا يحيى خذ الكتاب﴾ أي : التوراة ﴿بقوة﴾ أي : جدّ ثم إن اللّه تعالى وصفه بصفات الأولى قوله تعالى :﴿وآتيناه الحكم﴾ قال ابن عباس النبوّة ﴿صبياً﴾ قال الجلال المحلي : تبعاً للبغوي ابن ثلاث سنين أي : أحكم اللّه عقله في صباه واستنبأه وقيل المراد بالحكم الحكمة وفهم التوراة فقرأ التوراة وهو صغير. قال البغوي : وعن بعض السلف من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً. الصفة الثانية قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٧


الصفحة التالية
Icon