سورة هود عليه السلام
مكية
إلا وأقم الصلاة الآية وإلا فلعلك تارك الآية وأولئك يؤمنون به الآية مائة وثنتان أو ثلاث وعشرون آية، وكلماتها ألف وسبعمائة وخمس عشرة، وحروفها سبعة آلاف وستمائة وخمسة أحرف. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله، عجل إليك الشيب ؟
قال :"شيبتني هود وأخواتها. الحاقة والواقعة وعمّ يتساءلون هل أتاك حديث الغاشية".
﴿بسم الله﴾ أي : الذي له تمام العلم وكمال الحكمة وجميع القدرة ﴿الرحمن﴾ لجميع خلقه بعموم البشارة والنذارة ﴿الرحيم﴾ لأهل ولايته بالحفظ في سلوك سبيله، وقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧
٤٨
﴿الر كتاب﴾ مبتدأ وخبر، أو كتاب خبر مبتدأ محذوف، وتقدم الكلام على أوائل السور أول سورة البقرة. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي بالإمالة، والباقون بالفتح. وقوله تعالى :﴿أحكمت آياته﴾ صفة للكتاب وفسر الأحكام بوجوه :
الأوّل : أحكمت آياته، أي : نظمت نظماً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم المرصف، ولا يعتريه إخلال من جهة اللفظ، والمعنى : ولا يستطيع أحد نقض شيء منه ولا الطعن في شيء من بلاغته أو فصاحته. الثاني :
أنّ الأحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء فقوله : أحكمت آياته، أي : لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به كما قال ابن عباس.
الثالث : أنها أحكمت بالحجج والدلائل، أو جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيماً ؛ لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية وقوله تعالى :﴿ثم فصلت﴾ صفة أخرى للكتاب، أي : بينت بالأحكام والقصص والمواعظ والأخبار، وبالإنزال نجماً نجماً، أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه، أو بجعلها سوراً.
وقال الحسن أحكمت بالأمر والنهي ثم فصلت بالوعد والوعيد.
تنبيه : معنى ثم في قوله ثم فصلت ليس للتراخي في الوقت لكن في الحال كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل. وقوله تعالى ﴿من لدن حكيم خبير﴾ أي : الله تعالى صفة أخرى للكتاب، والتقدير : الر كتاب من حكيم خبير أو خبر بعد خبر والتقدير : الر من لدن حكيم خبير أو صلة لأحكمت وفصلت، أي : أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير. وعلى هذا التقدير قد حصل بين أوائل هذه السورة وبين آخرها مناسبة لطيفة، كأنه يقول تعالى : أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٨
أن لا تعبدوا إلا الله﴾
يحتمل وجوهاً : الأوّل : أن تكون مفعولاً له والتقدير : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل أن لا تعبدوا إلا الله. الثاني : أن تكون مفسرة ؛ لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول، قال الرزاي : والحمل على هذا أولى ؛ لأنّ قوله تعالى :﴿وأن استغفروا﴾ معطوف على قوله تعالى :﴿أن لا تعبدوا﴾ فيجب أن يكون معناه، أي : لا تعبدوا ليكون الأمر معطوفاً على النهي، فإنّ كونه بمعنى لأن لا تعبدوا يمنع عطف الأمر عليه. الثالث : أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبيّ ﷺ إغراءً منه على اختصاص الله تعالى بالعبادة، ويدلّ عليه قوله ﷺ ﴿إنني لكم منه﴾ أي : الله ﴿نذير﴾ بالعقاب على الشرك ﴿وبشير﴾ بالثواب على التوحيد، كأنه قيل ترك عبادة غير الله تعالى بمعنى اتركوها إنني لكم منه نذير وبشير كقوله تعالى :﴿فضرب الرقاب﴾ (محمد، ٤).
تنبيه : هذه الآية الكريمة مشتملة على أشياء مترتبة : الأوّل : أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا الله لأنّ ما سواه محدث مخلوق مربوب، وإنما حصل بتكوين الله وإيجاده، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع والخشوع ونهاية التواضع والتذلل، وذلك لا يليق إلا بالخالق المدبر الرحيم المحسن، فثبت أن عبادة غير الله تعالى منكرة. المرتبة الثانية : قوله تعالى :﴿وأن استغفروا ربكم﴾ المرتبة الثالثة : قوله ﴿ثم توبوا إليه﴾ واختلفوا في بيان الفرق بين هاتين المرتبتين على
٤٩
وجوه : الأوّل : أنّ معنى قوله ﴿وأن استغفروا﴾، أي : اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم، ثم بين الشيء الذي يطلب به ذلك وهو التوبة. فقال : ثم توبوا إليه ؛ لأنّ الداعي إلى التوبة والمحرك عليها هو الاستغفار الذي هو عبارة عن طلب المغفرة فالاستغفار مطلوب بالذات والتوبة مطلوبة لكونها من مهمات الاستغفار، وما كان آخراً في الحصول كان أولاً في الطلب، فلهذا السبب قدم ذكر الاستغفار على التوبة.


الصفحة التالية
Icon