حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} متعلق كما قال الزمخشري بحرام وحتى غاية له ؛ لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام أي : فهي الابتدائية لا الجارّة ولا العاطفة والمحكي هو الجملة الشرطية، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء بعد الفاء والباقون بالتخفيف ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان اسم لقبيلتين من جنس الإنس ويقدر قبله مضاف أي : سدّهما، وذلك قرب الساعة يقال الناس عشرة أجزاء ؛ تسعة منها يأجوج ومأجوج، وقرأهما عاصم بهمزة ساكنة والباقون بالألف، ثم عبّر عن كثرتهم التي لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى بقوله تعالى :﴿وهم﴾ أي : والحال أنهم ﴿من كل حدب﴾ أي : نشز عال من الأرض ﴿ينسلون﴾ أي : يسرعون من النسلان، وهو تقارب الخطا مع السرعة كمشي الذئب، وفي
٥٨٥
العبارة إيماء إلى أنّ الأرض كرة، وقيل : الضمير راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر. روي عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال :"اطلع النبيّ ﷺ علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال ﷺ ما تتذاكرون ؟
قلنا : نتذاكر الساعة، قال : إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدجال والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"
﴿واقترب الوعد الحق﴾ أي : يوم القيامة ؛ قال حذيفة : لو أنّ رجلاً اقتنى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة ﴿فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا﴾ قال الكلبيّ : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم.
تنبيه : فإذا هي إذا للمفاجأة وهي تقع في المجازاة سادّة مسدّ الفاء كقوله تعالى :﴿إذا هم يقنطون﴾ (الروم، ٣٦)، فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط، فيتأكد، ولو قيل : إذا هي شاخصة أو فهي شاخصة كان سديداً، قال سيبويه : والضمير للقصة بمعنى فإذا القصة شاخصة يعني القصة أنّ أبصار الذين كفروا تشخص عند ذلك، وقال الزمخشري : هي ضمير مبهم توضحه الأبصار، وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا النجوى وقولهم :﴿يا ويلنا﴾ أي : هلاكنا متعلق بمحذوف تقديره : يقولون يا ويلنا، ويقولون في موضع الحال من الذين كفروا ويا للتنبيه ﴿قد كنا﴾ أي : في الدنيا ﴿في غفلة من هذا﴾ أي : اليوم حيث كذبنا وقلنا : إنه غير كائن، ثم أضربوا عن الغفلة فقالوا :﴿بل كنا ظالمين﴾ أنفسنا بعدم اعتقاده واضعين الشيء في غير موضعه حيث أعرضنا عن تأمّل دلائله، والنظر في مخايله، وكذبنا الرسل وعبدنا الأوثان، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٨٥
إنكم﴾
خطاب لأهل مكة، وأكده لإنكارهم مضمون الخبر ﴿وما تعبدون من دون الله﴾ أي : غيره من الأوثان ﴿حصب جهنم﴾ أي : وقودها، وهو ما يرمى به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصب والحصب في لغة أهل اليمن الحطب، وقال عكرمة : هو الحطب بالحبشية قال الضحاك : يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصب، وقوله تعالى :﴿أنتم لها واردون﴾ أي : داخلون استئناف أو بدل من حصب جهنم، واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أنّ ورودهم لأجلها
﴿لو كان هؤلاء﴾ أي : الأوثان ﴿آلهة﴾ أي : كما زعمتم ﴿ما وردوها﴾ أي : ما دخل الأوثان وعابدوها النار، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياءً خالصة في الوصل بعد تحقيق الأولى، والباقون بتحقيقهما ﴿وكل﴾ أي : من العابدين والمعبودين ﴿فيها﴾ أي : في جهنم ﴿خالدون﴾ لا انفكاك لهم عنها بل يحمى بكل منهم فيها على الآخر فإن قيل : لم قرنوا بآلهتهم ؟
أجيب : بأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب ؛ لأنهم قدروا أنهم يستشفعون في الآخرة وينتفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
فإن قيل : إذا عنيت بما تعبدون الأوثان فما معنى قوله تعالى :
﴿لهم فيها زفير﴾ أي : تنفس
٥٨٦


الصفحة التالية
Icon