ثم ذلك بقوله تعالى :﴿إن الله﴾ أي : الجامع لجميع صفات الكمال ﴿على كل شيء﴾ من الأشياء كلها ﴿شهيد﴾ أي : عالم به علم مشاهدة ﴿ألم تر﴾ أي تعلم ﴿أن الله يسجد له﴾ أي : يخضع منقاداً لأمره سبحانه مسخراً لما يريد منه تسخير من هو في غاية الإجتهاد في العبادة والإخلاص فيها ﴿من في السموات ومَنْ في الأرض﴾ إن خصصت بذلك العاقل أفهم خضوع غيره من باب أولى وإن أدخلت غير العاقل فبالتغليب ثم أتبعه بأشرف ما ذكر مما لا يعقل لأنّ كلاً منهما عبد من دون الله أو عبد شيء منه فقال تعالى :﴿والشمس والقمر والنجوم﴾ من الأجرام العلوية فعبد الشمس حمير، والقمر كنانة، والدبران تميم، والشعري لخم، والثريا طيىء، وعطارد أسد، قاله أبو حيان، روى عن عمرو بن دينار قال : سمعت رجلاً يطوف بالبيت ويبكي فإذا هو طاووس فقال أعجبت من بكائي ؟
قلت : نعم. قال : ورب الكعبة إن هذا القمر ليبكي من خشية الله ولا ذنب له.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٨
ثم أتبع ذلك أعلى الذوات السفلية فقال ﴿والجبال﴾ أي : التي قد نختت منها الأصنام ﴿والشجر﴾ أي : التي عبد بعضها ﴿والدوابّ﴾ أي : التي عبد منها البقر، كل هذه الأشياء تنقاد لأمر الله ولا تأبى عن تدبيره ﴿وكثير من الناس﴾ وهم المؤمنون بزيادة الخضوع سجد سجوداً هو منه عبادة مشروعة فحق له الثواب ﴿وكثير﴾ أي : من الناس ﴿حق عليه العذاب﴾ وهم الكافرون ؛ لأنهم أَبَو، السجود المتوقف على الإيمان ﴿ومَن يُهن الله﴾ أي : يُشْقِهِ ﴿فما له من مكرم﴾ أي : مسعد، لأنه لا قدرة لغيره أصلاً ﴿إنّ الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿يفعل ما يشاء﴾ من الإكرام والإهانة، لا مانع له من ذلك، نقل عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه قيل له : إنّ رجلاً يتكلم في المشيئة فقال له عليّ يا عبد الله خلقك الله لما يشاء أو لما شئت ؟
قال بل لما يشاء. قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟
قال : بل إذا شاء. قال : فيشفيك إذا شاء أو ءذا شئت ؟
قال : بل إذا شاء. قال : فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء ؟
قال : بل حيث يشاء قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف.
ولما بين تعالى أنّ الله قسمان منهم من يسجد لله ومنهم من حق عليه العذاب ذكر كيفية اختصامهم بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٨
﴿هذان خصمان﴾ أي : المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة وقرأ ابن كثير بتشديد النون والباقون بالتخفيف ﴿اختصموا﴾ أي : أوقعوا الخصومة بغاية الجهد ﴿في ربهم﴾ أي : دينه، وروى عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً إن هذه الآية ﴿هذان خصمان اختصموا في ربهم﴾ نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيد بن الحارث وعتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة أخرجاه في الصحيحن وعن ابن عباس قال لما بارز عليّ وحمزة وعبيدة عتبة وشيبة والوليد قالوا لهم : تكلموا نعرفكم. قال أنا عليّ وهذا حمزة وهذا عببيدة فقالوا : أكفاء كرام فقال عليّ أدعوكم إلى الله وءلى رسوله ﷺ فقال عتبة هلم للمبارزة فبارز عليّ شيبة فلم يلبث أن قتله بارز حمزة عتبة فقتله وبارز عبيدة الوليد فصعق عليه فأتى عليّ فقتله فنزلت وعن قتادة نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم قال المسلمون كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا
٦٠١