﴿إنّ الله﴾ أي : الذي لا كفء له ﴿يدفع عن الذين آمنوا﴾ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء والباقون بضم الياء وفتح الدال وبعدها ألف وكسر الفاء أي : يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ولم يذكر الله تعالى ما يدفعه عنهم حتى يكون أعظم وأفخم وأعمّ وإن كان في الحقيقة أنه يدفع بأس المشركين فلذلك قال تعالى بعده ﴿إنّ الله﴾ أي : الذي له صفات الكمال ﴿لا يحب﴾ أي : لا يكرم كما يفعل المحب ﴿كل حوّان﴾ في أمانته ﴿كفور﴾ لنعمته وهم المشركون، قال ابن عباس : خانوا الله فجعلوا معه شريكاً وكفروا نعمه، فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذه صفته وقال مقاتل : يدفع عن الذين آمنوا بمكة حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبيّ ﷺ في قتلهم سرّاً فنهاهم عن ذلك ثم أذن الله تعالى لهم قتالهم بقوله تعالى :﴿أذن للذين يقاتلون﴾ أي : المشركين والمأذون فيه وهو في القتال محذوف لدلالة يقاتلون عليه ﴿بأنهم﴾ أي بسبب أنهم ﴿ظلموا﴾ فكانوا يأتونه ﷺ بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أوّل آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية وقيل نزلت في قوم بأعيانهم مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي منعوهم من الهجرة بأنهم
٦١٣
ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم بضم الهمزة والباقون بفتحها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦١٣
ولماكان التقدير فإنّ الله أراد إظهار دينه بهم عطف عليه قوله تعالى :﴿وإنّ الله﴾ أي : الذي هو الملك الأعلى ﴿على نصرهم لقدير﴾ وفي ذلك وعد من الله بنصر المؤمنين ثم وصفهم بقوله تعالى :﴿الذين أخرجوا من ديارهم﴾ إلى الشعب والحبشة والمدينة ﴿بغير حق﴾ أوجب ذلك ما أخرجوا ﴿إلا أن يقولوا﴾ أي : بقولهم ﴿ربنا الله﴾ وهذا القول حق والإخراج به إخراج بغير حق ونظير ذلك قوله تعالى :﴿هل تنقمون منا إلا أن آمنا با﴾ (المائدة : ٥٩).
تنبيه : الذين أخرجوا مجرور نعت للذين يقاتلون، أو بدل منه، أو منصوب على المدح، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف ﴿ولولا دفع الله﴾ أي : المحيط بكل شيء علماً ﴿الناس بعضهم ببعض﴾ أي : بتسليط المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم وعلى متعبداتهم كما قال تعالى :﴿لهدّمت﴾ أي : خربت ﴿صوامع﴾ وهي : معابد صغار للرهبان مرتفعة ﴿وبيع﴾ كنائس للنصارى ﴿وصلوات﴾ أي : كنائس لليهود وسميت بها لأنها يصلى فيها، وقيل : هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية صلوتا ﴿ومساجد﴾ للمسلمين ﴿يذكر فيها﴾ أي : هذه المواضع المذكورة ﴿اسم اللَّه﴾ العليّ العظيم ﴿كثيراً﴾ وتنقطع العبادات بخرابها، وقيل : الضمير يرجع للمساجد فقط تشريفاً لها بأن ذكر الله يحصل فيها كثيراً فإن قيل لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد أجيب بأنها أقدم في الوجود وقيل : أخرها في الذكر كما في قوله تعالى ومنهم سابق بالخيرات ولأنّ الذكر آخر العمل فلما كان نبينا ﷺ خير الرسل وأمتنا خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال ﷺ "نحن الآخرون والسابقون" وقيل : أخرها لتكون بعيدة عن الهدم قريبة من الذكر وقرأ نافع دفاع بكسر الدال وفتح الفاء وألف بعدها والباقون بفتح الدال وسكون الفاء وقرى نافع وابن كثير لهدمت بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وأظهر التاء عند الصاد نافع وابن كثير وعاصم وأدغمها الباقون ﴿ولينصرن الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿من ينصره﴾ أي : ينصر دينه وأولياءه كائناً من كان منهم أو من غيرهم وقد أنجز الله تعالى وعده بأن سلطا المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم ﴿إنّ الله﴾ أي : الذي لا كفء له ﴿لقويّ﴾ أي : على ما يريد ﴿عزيز﴾ أي : منيع في سلطانه وقدرته وقوله تعالى :﴿الذين إن مكناهم﴾ أي : بما لنا من القدرة ﴿في الأرض﴾ بإعلائهم على ضدّهم ﴿أقاموا الصلاة﴾ أي : التي هي عماد الدين الدالة على المراقبة والإعراض عن تحصيل الفاني ﴿وآتوا الزكاة﴾ أي المؤذنة بالزهد في الحاصل منه المؤذن بعمل النفس للرحيل ﴿وأمروا بالمعروف﴾ أي : الذي أمر الله تعالى ورسوله به ﴿ونهوا عن المنكر﴾ أي : الذي نهى الله ورسوله عنه وصف للذين هاجروا وهو إخبار من الله تعالى بظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه هذا والله ثناء قبل بلاء
٦١٤
يريد أن الله تعالى أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦١٣


الصفحة التالية
Icon