وأما السحاق من النساء وإتيان المرأة الميتة والاستمناء باليد فلا يشرع فيه شيء من ذلك إلا التعزير والمقيم للحد هو الإمام أو نائبه، وللسيد أن يقيم الحدّ على رقيقه ولا تجوز الشفاعة في إسقاط الحدّ ولا تركه ولا تخفيفه كما قال تعالى :﴿ولا تأخذكم﴾ أي : على أي حال من الأحوال ﴿بهما رأفة﴾ أي : رحمة ورقة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها، وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة والباقون بسكونها، والسوسي على أصله من البدل، وقيل : معنى الرأفة أن يخففوا الضرب ﴿في دين الله﴾ أي : الذي شرعه لكم، ولذلك قال ﷺ "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، روي أن عمر رضي الله عنه جلد جارية له زنت، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها، فقال له ابنه : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله، فقال : يا بني إن الله تعالى لم يأمرنا بقتلها وقد ضربت فأوجبت. ثم إنه سبحانه وتعالى زاد في الحض على ذلك بقوله تعالى :﴿إن كنتم تؤمنون با﴾ أي : الذي هو أرحم الراحمين فإنه ما شرع ذلك الا رحمة للناس عموماً وللزانين خصوصاً فلا تزيدوا في الحد ولا تنقصوا منه شيئاً، وفي الحديث "يؤتى بوال نقص من الحدود سوطاً فيقول : رحمة لعبادك، فيقال له : أنت أرحم مني، فيؤمر به إلى النار، ويؤتي بمن زاد سوطاً فيقول : لينتهوا عن معاصيك، فيؤمر إلى النار" وعن أبي هريرة : إقامة حد بأرض خير من مطر أربعين ليلة ثم أتبع ذلك بما يرهبه بقوله تعالى :﴿واليوم الآخر﴾ الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير والخفي والجلي ﴿وليشهد﴾ أي : وليحضر ﴿عذابهما﴾ أي : حدهما إذا أقيم عليهما ﴿طائفة من المؤمنين﴾ والطائفة الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول الشيء، وعن ابن عباس في تفسيرها : أربعة إلى أربعين رجلاً من المصدقين بالله تعالى، وعن الحسن : عشرة، وعن قتادة : ثلاثة فصاعداً، وعن عكرمة : رجلان فصاعداً، وعن مجاهد : أقلها رجل فصاعداً، وقيل : رجلان وفضل قول ابن عباس ؛ لأن الأربعة هي الجماعة التي يثبت بها الزنا ولا يجب على الإمام حضور رجم ولا على الشهود لأنه ﷺ أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضر رجمهما، وإنما خص المؤمنين بالحضور ؛ لأن ذلك أفضح، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل، ويشهد له قول ابن عباس : إلى أربعين رجلاً من المصدقين بالله.
تنبيه : الضرب يكون بسوط لا حديد يجرح ولا خلق لا يؤلم، ويفرق بين السياط على أعضائه ولا يجمعها في موضع واحد، واتفقوا على أنه يتقي المهالك كالوجه والبطن والفرج ويضرب على الرأس لقول أبي بكر رضي الله عنه : اضرب على الرأس فإن الشيطان فيه، ولا يشد يده وينزع الثياب التي تمنع ألم الضرب كالفرو، ولو فرق سياط الحدّ تفريقاً لا يحصل به التنكيل
٦٦٢
مثل أن يضرب كل يوم سوطاً أو سوطين، فإن فرق وضرب والألم موجود كفى، وإن وجب الحدّ على حامل لا يقام عليها حتى تضع وترضعه حتى ينفطم ويندب أن يحفر للمرأة إلى صدرها إن ثبت زناها بالبينة لا بإقرارها ولا يندب للرجل مطلقاً، وإن وجب الحدّ على المريض نظر إن كان يرجى زواله كصداع انتظر أو لا يرجى كالزمانة فلا يؤخر ولا يضرب بالسياط بل بعثكال عليه مائة شمراخ، فيقوم ذلك مقام جلده، وأما في حال الحر والبرد الشديدين فإن كان الحدّ رجماً لم يؤخر لأن النفس مستوفاة، وإن كان جلداً أخر إلى اعتدال الهواء، ويقبل رجوع الزاني عن إقراره، ولو في أثناء الحدّ، وإذا مات في الحدّ يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٠
الحكم الثاني قوله تعالى :﴿الزاني لا ينكح﴾ أي : لا يتزوج ﴿إلا زانية أو مشركة﴾ أي : المعلوم اتصافه بالزنا مقصور نكاحه على زانية أو مشركة ﴿والزانية لا ينكحها﴾ أي : لا يتزوجها ﴿إلا زانٍ أو مشرك﴾، أي : والمعلوم اتصافها بالزنا مقصور نكاحها على زانٍ أو مشرك إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء، فإن المشاكلة علة الألفة والانضمام والمخالفة سبب النفرة والافتراق، وقال بعضهم : الجنسية علة الضم والمشاكلة سبب المواصلة، والمخالفة توجب المباعدة وتحرم المؤالفة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه خطب أهل الكوفة بعد ثلاثة أيام من مقدمه عليهم، فقال : يا أهل الكوفة قد علمنا شراركم من خياركم، فقالوا : كيف وما لك إلا ثلاثة أيام ؟
فقال : كان معنا شرار وخيار فانضم خيارنا إلى خياركم وشرارنا إلى شراركم، وعن الشعبي أنه قال : إنّ لله ملكاً موكلاً بجمع الأشكال بعضها إلى بعض، وقال القائل :
*عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
** فكل قرين بالمقارن يقتدي