روى البخاري في تفسيره وغيره عن ابن عباس "أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي ﷺ بشريك بن سحماء، فقال له النبي ﷺ البينة أو حد في ظهرك فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي ﷺ يقول : البينة أو حد في ظهرك، فقال هلال بن أمية : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه :﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ حتى بلغ ﴿إن كان من الصادقين﴾، فانصرف النبي ﷺ فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية، فشهد والنبي ﷺ يقول : والله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة أوقفوها وقالوا : إنها موجبة ؛ قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، وقال النبي ﷺ أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين، فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النبي ﷺ لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٤
وقد روى البخاري أيضاً عن سهل ابن سعد أنّ سبب نزولها قصة مثل هذه لعويمر رضي الله عنه وقد تقدم أنه لا يمتنع أن يكون للآية الواحدة عدّة أسباب معاً أو متفرقة.
تنبيه : خصت المرأة بالغصب لأنه أبلغ من اللعن الذي هو الطرد لأنه قد يكون بسبب غير الغضب، وسبب التغليظ عليها الحث على اعترافها بالحق لما يصدق الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة أهله المستلزم لفضيحته إلا وهو صادق، ولأنها مادة الفساد وخالطة الأنساب، ويشترط في اللعان أمر القاضي وتلقينه كلماته في الجانبين فيقول : قل أشهد بالله إلخ ؛ لأنّ اللعان يمين واليمين لا يعتد بها قبل استحلاف القاضي، وإن غلب فيه معنى الشهادة، فهي لا تؤدى عنده إلا بإذنه وأن يتأخر لعانها عن لعانه لأن لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان الزوج كما علم مما مرّ، ويلاعن أخرس بإشارة مفهمة أو كتابة ويكرر كلمة الشهادة أربعاً أو يكتبها مرّة ويشير إليها أربعاً، ويصح اللعان بالعجمية، وإن عرف العربية ويشترط الولاء بين الكلمات الخمس فيؤثر الفصل الطويل ولا يشترط الولاء بين لعاني الزوجين، و لو أبدل لفظ شهادة بحلف ونحوه أو لفظ غضب بلعن أو عكسه أو ذكره قبل تمام الشهادة لم يصح ذلك ويصح أن يتلاعنا قائمين وإن يغلظ اللعان بزمان وهو بعد عصر الجمعة فيؤخر إليه إن لم يكن طلب أكيد وإلا فبعد عصر أي يوم كان وبمكان عند أشرف بلد اللعان فبمكة بين الحجر الأسود والمقام، وهو المسمى بالحطيم، والمدينة على المنبر، وبيت المقدس عند الصخرة، وغيرها على منبر الجامع، وتلاعن حائض بباب المسجد وذمي في بيعة للنصارى، وكنيسة لليهود وبيت نار لمجوس ؛ لأنهم يعظمونها لا بيت أصنام وثني ؛ لأنه لا حرمة له.
٦٦٧
وقرأ حفص : والخامسة الأخيرة بالنصب، والباقون بالرفع. وقرأ نافع بتخفيف النون ساكنة وكسر الضاد ورفع الهاء من الاسم الجليل والباقون بتشديد النون منصوبة ونصب الضاد وخفض الهاء. ولما حرّم سبحانه وتعالى بهذه الجمل الأعراض والأنساب فصان بذلك الدين والأموال، علم أن التقدير فلولا أنه سبحانه خير الغافرين وخير الراحمين لما فعل بكم ذلك ولا فضح المذنبين وأظهر سرائر المستخفين، ففسد النظام فعطف على هذا الذي علم تقديره قوله تعالى :
﴿ولولا فضل الله﴾ أي : بما له من الكرم والاتصاف بصفات الكمال ﴿عليكم ورحمته﴾ أي : بكم بالستر في ذلك ﴿وإن الله﴾ أي : الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿تواب﴾ بقبوله التوبة في ذلك وغير ذلك ﴿حكيم﴾ يحكم الأمور فيمنعها من الفساد بما يعلم من عواقب الأمور لفضح كل عاصٍ، ولم يوجب أربعة شهداء ستراً لكم، الحكم الخامس : قصة الإفك المذكورة في قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٤
﴿إن الذين جاؤوا بالإفك﴾ أي : أسوأ الكذب سمي إفكاً لكونه مصروفاً عن الحق من قولهم : أفك الشيء إذا صرفه عن جهته، وذلك أن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف والعفة والكرم، فمن رماها بسوء فقد قلب الأمر عن أحسن وجوهه إلى أقبح أفضائه.