النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية" أخرجه أبو داود والترمذي، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال :"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" ﴿ذلك﴾ أي : غض البصر وحفظ الفرج ﴿أزكى﴾ أي : خير ﴿لهم﴾ لما فيه من البعد عن الريبة، سئل الشيخ الشبلي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى :﴿يغضوا من أبصارهم﴾، فقال : أبصار الرؤوس عن المحرمات وأبصار القلوب عن المحرمات، ثم أخبر سبحانه وتعالى بأنه خبير بأحوالهم وأفعالهم بقوله تعالى :﴿إن الله﴾ أي : الملك الذي لا يخفى عليه شيء ﴿خبير بما يصنعون﴾ بسائر حواسهم وجوارحهم، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٩
﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن﴾ عما لا يحل لهن نظره ﴿ويحفظن فروجهن﴾ عما لا يحل لهن فعله بها، روي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت :"كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة بنت الحرث إذ أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال ﷺ احتجبا منه فقلت : يا رسول الله أليس هو أعمى ؟
فقال رسول الله ﷺ أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه"، وقوله تعالى :﴿ولا يبدين﴾ أي : يظهرن ﴿زينتهن﴾ أي : لغير محرم، والزينة خفية وظاهرة، فالخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل، والسوار في المعصم، والقرط في الأذن والقلائد في العنق، فلا يجوز للمرأة إظهارها، ولايجوز للأجنبي النظر إليها، والمراد من الزينة مواضعها من البدن، وذكر الزينة للمبالغة في الأمر بالصون والستر ؛ لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها ﴿إلا ما ظهر منها﴾ أي : من الزينة الظاهرة، و اختلف أهل العلم في هذه الزينة التي استثناها الله تعالى فقال سعيد بن جبير وجماعة : هي الوجه والكفان،
٦٨٢
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : هي الثياب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة، يجوز للأجنبي النظر إليها إن لم يخفِ فتنة في أحد وجهين وعليه الأكثر.
وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة في الصلاة وسائر بدنها عورة فيها، ولأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدّاً من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وخاصة الفقيرات، والوجه الثاني يحرم ؛ لأنه محل الفتنة ورجح حسماً للباب ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ أي : يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع، فإن جيوبهن كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدّامهن حتى تغطيها، ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور تسمية لها باسم ما يليها ويلابسها، ومنه قولهم : ناصح الجيب بالنون والصاد أي : سليم الصدر، وقولك : ضربت بخمارها على جيبها كقولك : ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه ؛ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : يرحم الله تعالى نساء المهاجرات لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها، والمرط كساء من صوف أو خز أو كتان، وقيل : هو الإزار، وقيل : هو الدرع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٢
وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وعاصم بضم الجيم، والباقون بكسرها، وكرر قوله تعالى :﴿ولا يبدين زينتهن﴾ لبيان من يحل له الإبداء، ومن لا يحل له أي : الزينة الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهي ما عدا الوجه والكفين ﴿إلا لبعولتهن﴾ أي : فإنهم المقصودون بالزينة، ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج ولو الدبر ولكنه يكره، وقال ابن عباس : لا يضعن الجلباب والخمار عنهن إلا لأزواجهن ﴿أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن﴾ فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الخفية ولا ينظروا إلى ما بين السرة والركبة، وإنما سومح في الزينة الخفية لأولئك المذكورين في الآية للحاجة المضطرّة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة الفتنة من جهتهم، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك ﴿أو نسائهن﴾ أي : المؤمنات، فإن الكافرات لا يتحرجن عن وصفهن للرجال، فلا يجوز للمسلمة أن تتجرّد من ثيابها عند النساء الكافرات ؛ لأنهن أجنبيات عن الدين فكن كالرجال الأجانب، لكن يجوز أن ترى الكافرة منها ما يبدو عند المهنة، وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمامات مع المسلمات، وقيل : النساء كلهن، وللعلماء في ذلك خلاف.