﴿رجال لا تلهيهم تجارة﴾ أي : معاملة رابحة، وقيل : المراد بالتجارة الشراء لقوله تعالى :﴿ولا بيع عن ذكر الله﴾ إطلاقاً لاسم الجنس على النوع كما تقول : رزق فلان تجارة صالحة إذا اتجه له بيع صالح أو شراء، وعلى الأول ذكر مبالغة للتعظيم والتعميم بعد التخصيص، وقيل : التجارة لأهل الجلب تقول تجر فلان في كذا أي : جلب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٣
﴿في بيوت﴾ يتعلق بما قبله أي : كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل : مثل نوره، كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، أو بما بعده وهو يسبح أي : يسبح رجال في بيوت، وفي قوله : فيها تكرير لقوله : في بيوت كقوله : زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف كقوله ﴿تعالى في تسع آيات﴾ (النمل، ١٢)
أي : سبحوا في بيوت، والبيوت هي المساجد ؛ قال سعيد بن جبير : عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، وقيل : المراد بالبيوت المساجد الثلاثة، وقيل : المراد أربعة مساجد لم يبنها إلا نبيّ ؛ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام، ومسجد المدينة، ومسجد قباء بناهما النبي ﷺ وأتى فيها بجمع الكثرة دون جمع القلة للتعظيم ﴿أذن الله أن ترفع﴾ قال مجاهد : تبنى، نظيره قوله تعالى :﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾، وقال الحسن : تعظم أي : فلا يذكر فيها الفحش من القول وتطهر من الأنجاس والأقذار، وقوله تعالى :﴿ويذكر فيها اسمه﴾ عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله، والمباحثة في أحكامه، وقال ابن عباس : يتلى فيها كتابه ﴿يسبح﴾ أي : يصلى ﴿له فيها بالغدو والآصال﴾ أي : بالغداة والعشي، قال أهل التفسير : أراد به الصلوات المفروضة، فالتي تؤدى بالغداةصلاة الفجر، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين ؛ لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت، وقيل : أراد به الصبح والعصر ؛ قال ﷺ "من صلى البردين دخل الجنة" ؛ أراد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقال ابن عباس : التسبيح بالغدو صلاة الضحى، وروى "من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى، لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين"، وقرأ ابن عامر وشعبة بفتح الباء الموحدة والباقون بكسرها.
٦٩٣
﴿رجال لا تلهيهم تجارة﴾ أي : معاملة رابحة، وقيل : المراد بالتجارة الشراء لقوله تعالى :﴿ولا بيع عن ذكر الله﴾ إطلاقاً لاسم الجنس على النوع كما تقول : رزق فلان تجارة صالحة إذا اتجه له بيع صالح أو شراء، وعلى الأول ذكر مبالغة للتعظيم والتعميم بعد التخصيص، وقيل : التجارة لأهل الجلب تقول تجر فلان في كذا أي : جلب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٣
تنبيه : قوله تعالى :﴿رجال﴾ فاعل يسبح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل له ورجال فاعل فعل مقدر جواب سؤال مقدر كأنه قيل : من يسبحه وحذف من قوله تعالى :﴿وإقام الصلاة﴾ الهاء تخفيفاً أي : وإقامة الصلاة، وأراد أداءها في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وإنما ذكر إقام الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه تعالى أراد بإقامة الصلاة حفظ المواقيت. روى سالم عن ابن عمر : أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فقام الناس وغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد ؛ قال ابن عمر : فيهم نزلت هذه الآية :﴿وإيتاء الزكاة﴾ قال ابن عباس : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها أي : فيخرجون ما يجب إخراجه من المال للمستحقين، وقيل : هي الأعمال الصالحة ومع ما هم عليه ﴿يخافون يوماً﴾ هو يوم القيامة ﴿تتقلب﴾ أي : تضطرب ﴿فيه القلوب﴾ بين النجاة والهلاك ﴿والأبصار﴾ بين ناحيتي اليمين والشمال، وقيل : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وتنفتح الأبصار من الأغطية، وقوله تعالى :
﴿ليجزيهم الله﴾ متعلق بيسبح أو بلا تلهيهم، أو بيخافون ﴿أحسن ما عملوا﴾ في الطاعات فرضها ونقلها أي : ثوابه الموعود لهم، وأحسن بمعنى حسن ﴿ويزيدهم من فضله﴾ ما لم يستحقوه بأعمالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وقوله تعالى :﴿والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ تقرير للزيادة، وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان وكمال جوده فكأنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالجد والاجتهاد في الطاعة ومع ذلك يكونون في نهاية الخوف، فالله سبحانه وتعالى يعطيهم الثواب العظيم على طاعتهم، ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم، وقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٣


الصفحة التالية
Icon