البئر ودلوتها إذا أخرجتها، والدلو معروف والجمع الدلاء فلما أرسلها تعلق بالحبل يوسف عليه السلام فلما خرج فإذا هو بغلام أحسن ما يكون قال ﷺ "أعطي يوسف شطر الحسن". ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة، وكانت جدّته قد أعطيت سدس الحسن قال ابن إسحاق : ذهب يوسف وأمّه بثلثي الحسن. وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار قال : كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوي الخلق أبيض اللون غليظ الساعدين والعضدين والساقين خميص البطن صغير السرّة، وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه، وإذا تكلم رأيت شعاع من ثناياه لا يستطيع أحد وصفه، وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله وصوّره قبل أن يصيب الخطيئة، فلما رآه مالك بن ذعر ﴿قال يا بشرى هذا غلام﴾ نادى البشرى بشارة لنفسه، كأنّه قال تعالى فهذا أوانك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٦
وعن الأعمش أنه قال : دعا امرأة اسمها بشرى فقال : يا بشرى. وعن السدي أنّ المدلي نادى صاحبه وكان اسمه بشرى فقال : يا بشرى. كما قرأه حمزة وعاصم والكسائي، فإنهم قرؤوا بحذف الياء بعد الألف، والباقون بإثبات الياء. وقيل : ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك. وروي أنّ جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها واختلف في ضمير ﴿وأسرّوه بضاعة﴾ إلى من يعود ؟
وفيه قولان :
الأوّل : أنه عائد إلى الوارد وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه بالجب، وذلك أنهم قالوا : إن قلنا للسيارة : التقطناه شاركونا، وإن قلنا اشتريناه سألونا الشركة فالأصوب أن نقول : إنّ أهلاً لنا جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر.
والثاني : ونقل عن ابن عباس أنه قال : وأسرّوه يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه، وذلك أنّ يهوذا كان يأتيه بالطعام كل يوم فلم يجده في البئر فأخبر إخوته فطلبوه، فإذا هم بمالك بن ذعر وأصحابه نزول فأتوهم فإذا هم بيوسف فقالوا : هذا عبد لنا أبق منا وتابعهم يوسف على ذلك ؛ لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية. قال الرازي : والأوّل أولى ؛ لأنّ قوله ﴿وأسرّوه بضاعة﴾ يدل على أنّ المراد أنهم أسرّوه حال ما حكموا بأنه بضاعة، وذلك إنما يليق بالوارد لا بإخوة يوسف.
تنبيه : البضاعة القطعة من المال تجعل للتجارة من بضعت الشيء إذا قطعته. قال الزجاج : وبضاعة منصوب على الحال كأنه قال : وأسرّوه حال ما جعلوه بضاعة ولما جعل تعالى هذا البلاء سبباً لوصوله إلى مصر، ثم صارت وقائعه إلى أن صار ملكاً بمصر، وحصل ذلك الذي رآه في النوم، فكان العمل الذي عمله الأعداء في دفعه عن ذلك المطلوب صيّره الله تعالى سبباً لحصول ذلك المطلوب، فلهذا المعنى قال تعالى :﴿والله عليم﴾، أي : بالغ العلم ﴿بما يعملون﴾، أي : لم يخف عليه ما فعلوه بيوسف وأبيهم.
﴿وشروه﴾، أي : باعوه إذ قد يطلق لفظ الشراء على البيع يقال : شريت الشيء بمعنى بعته وإنما حمل هذا الشراء على البيع ؛ لأنّ الضمير في (شروه) وفي ﴿كانوا فيه من الزاهدين﴾ يرجع
١١٠
إلى شيء واحد، وذلك أنّ إخوته زهدوا فيه فباعوه، وقيل : إنّ الضمير يعود إلى مالك بن ذعر وأصحابه، وعلى هذا يكون لفظ الشراء على بابه.
وقال محمد بن إسحاق : ربك أعلم أَإِخوته باعوه أم السيارة، واختلفوا في معنى قوله تعالى :﴿بثمن بخس﴾ فقال الضحاك : ، أي : حرام، لأنّ ثمن الحرّ حرام وسمي الحرام بخساً ؛ لأنه مبخوس البركة. وقال ابن مسعود : أي : زيوف، وقال عكرمة : أي : بثمن قليل، ويدل لهذا قوله تعالى :﴿دراهم معدودة﴾ لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما إنما كانوا يأخذون ما دونها عداً، فإذا بلغتها وهي أوقية وزنوها، واختلفوا في عدد تلك الدراهم فقال ابن عباس : كانت عشرين درهماً فاقتسموها درهمين درهمين، وعلى هذا لم يأخذ أخوه بنيامين شقيقه منها شيئاً، وقال مجاهد : كانت اثنتين وعشرين درهماً. وقال عكرمة : أربعين درهماً. ﴿وكانوا﴾، أي : إخوته ﴿فيه﴾، أي : يوسف ﴿من الزاهدين﴾ لأنهم لم يعلموا منزلته عند الله تعالى، ومعنى الزهد قلة الرغبة يقال : زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه، وأصله القلة، يقال : رجل زهيد إذا كان قليل الطمع، وقيل : كانوا في الثمن من الزاهدين ؛ لأنهم لم يكن قصدهم تحصيل الثمن، وإنما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه. وقيل : الضمير في كانوا للسيارة ؛ لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه لا جرم باعوه بأوكس الأثمان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٦