أو لأصناف المضار، والمعنى : أنّه لو نزل بالإنسان أدنى شيء يكرهه ويؤذيه فإنه يتضرّع إلى الله تعالى في إزالته عنه، وفي دفعه عنه، وذلك يدل على أنه ليس صادقاً في طلب الاستعجال ﴿فلما كشفنا عنه ضرّه﴾ أي : أزلنا عنه ما نزل به، ﴿مرّ﴾ أي : مضى على ما كان عليه من الكفر، ﴿كأن لم يدعنا﴾ أي : كأنه، فأسقط الضمير على سبيل التخفيف، ونظيره قوله تعالى :﴿كأن لم يلبثوا﴾ (يونس، ٤٥)
. ﴿إلى ضرَ مسه﴾. قال الحسن : نسي ما كان دعا الله فيه، وما صنع الله به في إزالة ذلك البلاء عنه، وإنما حمل الإنسان في هذه الآية على الكافر ؛ لأنَّ العمل المذكور لا يليق بالمسلم البتة، وقول بعضهم : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد هو الكافر مردود، فقد قال تعالى :﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر﴾ (الإنسان : ١)
. وقال تعالى :﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين﴾ (المؤمنون : ١٢)
. وقال تعالى :﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾ (ق، ١٦) وأما المؤمن إذا ابتلي ببلية ومحنة، وجب عليه رعاية أمورٍ :
أوّلها : أن يكون راضياً بقضاء الله تعالى غير معترض بالقلب واللسان عليه، وإنما وجب عليه ذلك ؛ لأنّه تعالى مالك على الإطلاق، وملك بالاستحقاق، فله أن يفعل في ملكه ما شاء، ولأنه تعالى حكيم على الإطلاق، وهو منزه عن فعل العبث، فكل ما فعله فهو حكمة وصواب، فيجب عليه الصبر وترك القلق، فإن أبقى عليه تلك المحنة فهو عدل، وإن أزالها عنه فهو فضل.
وثانيها : أنه في ذلك الوقت إن اشتغل بذكر الله تعالى، والثناء عليه بدلاً عن الدعاء، كان أفضل لقوله ﷺ حكاية عن الله تعالى :"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، ولأنّ الاشتغال بالذكر اشتغال بالحق والاشتغال بالدعاء، اشتغال بطلب حظ النفس، ولا شك أنَّ الأوّل أفضل. وثالثها :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧
أنه تعالى إذا أزال عنه تلك البلية وجب عليه أن يبالغ في الشكر، وأن لا يخلو عن ذلك الشكر في السراء والضراء، وأحوال الشدّة والرخاء، فهذا هو الطريق الصحيح عند نزول البلاء، وحينئذ يكون المؤمن على الضدّ من الكافر ؛ لأنَّ الكافر منهمك في الشهوات، والإعراض عن العبادات. كما قال تعالى :﴿كذلك﴾ أي : مثل ما زين لهؤلاء الكافرين هذا العمل القبيح. ﴿زين للمسرفين﴾ أي : المشركين ﴿وما كانوا يعملون﴾ من القبائح لإعراضهم عن الذكر واتباعهم الشهوات، وإنما سمي الكافر مسرفاً ؛ لأنّه أتلف نفسه بتضييعها في عبادة الأوثان، وأتلف ماله في البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والمزين هو الله تعالى ؛ لأنه مالك الملك، والخلق كلهم عبيده يتصرّف فيهم كيف شاء، وقيل : هو الشيطان وذلك بإقدار الله تعالى إياه على ذلك، وإلا فهو أخس وأحقر.
﴿ولقد أهلكنا القرون﴾ أي : الأمم الماضية. ﴿من قبلكم﴾ يا أهل مكة. ﴿لما ظلموا﴾ أي : حين أشركوا، وقوله تعالى :﴿وجاءتهم رسلهم بالبينات﴾ أي : بالحجج الدالة على صدقهم، حال من الواو وبإضمار قد أو عطف على ظلموا. ﴿وما﴾ أي : والحال أنهم ما ﴿كانوا ليؤمنوا﴾ أي : وما استقام لهم أن يؤمنوا، ولو جاءتهم كل آية لعلمه تعالى بأنهم يموتون على كفرهم، واللام لتأكيد النفي. ﴿كذلك﴾ أي : مثل ذلك الجزاء العظيم وهو إهلاكهم لما كذبوا رسلهم ﴿نجزي القوم
١٠
المجرمين﴾ أي : نجزيكم يا أهل مكة بتكذيبكم محمداً ﷺ فوضع المظهر موضع المضمر للدّلالة على كمال جرمهم، وأنهم أعلام فيه.
﴿ثم جعلناكم﴾ أي : أيها المرسل إليهم أشرف رسلنا ﴿خلائف﴾ جمع خليفة ﴿في الأرض من بعدهم﴾ أي : استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر ﴿لننظر﴾ ونحن أعلم بكم من أنفسكم في علم الشهادة لإقامة الحجة. ﴿كيف تعملون﴾ من خير أو شر فنجازيكم به، وقد مرّ نظائر هذا، ومنه قوله تعالى :﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملاً﴾ (هود : ٧)
. وقال ﷺ "إنّ الدنيا خضرة حلوة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون". وقال قتادة : صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنهار. قال الزجاج : وموضع كيف نصب بقوله تعملون، أي : لا معمول ننظر ؛ لأنها حرف استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام فلا يتقدمه عامله، وظاهر كلامه أنّ كيف مفعول لتعملون، وجمهور النحاة على أنه حال من ضمير تعملون.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١١