مثل ما قال وزاد عليه" وعنه عن النبي ﷺ "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وعن جويرية بنت الحارث زوج النبي ﷺ ورضي عنها أنه خرج ذات غداة من عندها وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله ﷺ فسماها جويرية فكره أن يقال خرج من عند برّة، فخرج وهي في مسجدها أي : مصلاها، فرجع بعد ما تعالى النهار فقال :"مازلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".
وعن سعد بن أبي وقاص قال : كنا عند رسول الله ﷺ فقال :"أيعجز أحدكم أن يكتسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه كيف يكتسب كل يوم ألف حسنة قال : يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة" وفي غير رواية مسلم ويحط بغير ألف، ولما كان الإنسان عند الإصباح يخرج من سنة النوم إلى سنة الوجود وهي اليقظة، وعند العشاء يخرج من اليقظة إلى النوم أتبعه الأحياء والإماتة حقيقة بقوله تعالى :
﴿يخرج الحيّ﴾ كالإنسان والطائر ﴿من الميت﴾ كالنطفة والبيضة ﴿ويخرج الميت﴾ كالبيضة والنطفة ﴿من الحيّ﴾ على عكس ذلك، أو يعقب الحياة الموت وبالعكس، وقيل : يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن ﴿ويحيي الأرض﴾ أي : بالمطر وإخراج النبات ﴿بعد موتها﴾ أي : يبسها ﴿وكذلك﴾ أي : ومثل هذا الإخراج ﴿تخرجون﴾ بأيسر أمر من الأرض بعد تفرّق أجسامكم فيها أحياء للبعث والحساب، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي الميت بكسر الياء المشددة، والباقون بالسكون، وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان بخلاف عنه بفتح التاء قبل الخاء وضم الراء على البناء للفاعل، والباقون بضمّ التاء وفتح الراء على البناء للمفعول.
﴿ومن آياته﴾ أي : ومن جملة علامات توحيده وكمال قدرته ﴿أن خلقكم﴾ أي : أصلكم وهو آدم عليه السلام ﴿من تراب﴾ لم يكن له أصلاً اتصاف ما بحياة، أو أنه خلقكم من نطفة، والنطفة من الغذاء، والغداء إنما يتولد من الماء والتراب ﴿ثم﴾ أي : بعد إخراجكم منه ﴿إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ في الأرض كقوله تعالى ﴿وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء﴾ (النساء : ١)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٥
تنبيه : الترتيب والمهلة ههنا ظاهران، فإنهم يصيرون بشراً بعد أطوار كثيرة، وتنتشرون حال. وإذا هي الفجائية إلا أنّ الفجائية أكثر ما تقع بعد الفاء ؛ لأنها تقتضي التعقيب. ووجه وقوعها مع ثم بالنسبة إلى ما يليق بالحالة الخاصة أي : بعد تلك الأطوار التي قصها علينا في موضع آخر من كونها نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً مجرداً ثم عظماً مكسواً لحماً فاجأ البشرية والانتشار.
٢١٧
﴿ومن آياته﴾ أي : على ذلك ﴿أن خلق لكم﴾ أي : لأجلكم ليبقى نوعكم بالتوالد وفي تقديم الجار وهو قوله تعالى ﴿من أنفسكم﴾ أي : جنسكم بعد إيجادها من ذات أبيكم آدم عليه السلام ﴿أزواجا﴾ إناثاً هن شفع لكم دلالة ظاهرة على حرمة التزّوج من غير الجنس كالجن، قال البقاعي : والتعبير بالنفس أظهر في كونها من بدن الرجل أي : فخلق حواء من ضلع آدم ﴿لتسكنوا﴾ مائلين ﴿إليها﴾ بالشهوة والألفة من قولهم : سكن إليه إذا مال وانقطع واطمأن إليه، ولم يجعلها من غير جنسكم لئلا تنفروا منها، قال ابن عادل : والصحيح أنّ المراد من جنسكم كما قال تعالى ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾ (التوبة : ١٢٨)
ويدل عليه قوله تعالى ﴿لتسكنوا إليها﴾ يعني أنّ الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر أي : لا تثبت نفسه معه ولا يميل قلبه إليه. ولما كان المقصود بالسكن لا ينتظم إلا بدوام الإلفة قال تعالى ﴿وجعل﴾ أي : صير بسبب الخلق على هذه الصفة ﴿بينكم مودة﴾ أي : معنى من المعاني يوجب أن لا يحب أحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه ﴿ورحمة﴾ أي : معنى يحمل كُلاّ على أن يجتهد للآخر في جلب الخير ودفع الضر، وقيل : المودّة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد تمسكاً بقوله تعالى :﴿ذكر رحمة ربك عبده زكريا﴾ (مريم، ٢) وقوله تعالى :﴿ورحمة منا﴾ (مريم، ١، ) ﴿إن في ذلك﴾ أي : الذي تقدم من خلق الأزواج على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع ﴿لآيات﴾ أي : دلالات واضحات
٢١٨
على قدرة فاعله وحكمته ﴿لقوم يتفكرون﴾ أي : يستعملون أفكارهم على القوانين المحرّرة ويجتهدون في ذلك فيعلمون ما في ذلك من الحكم، ولما بين تعالى دلائل الأنفس ذكر دلائل الآفاق بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٥


الصفحة التالية
Icon