وعن عبد الله بن دينار أن لقمان قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل أبي ؟
فقال : مات. قال : الحمد لله ملكت أمري، قال : ما فعلت أمي ؟
قال : ماتت، قال : ذهب همي. قال : ما فعلت امرأتي ؟
قال : ماتت، قال : جدد فراشي. قال : ما فعلت أختي ؟
قال : ماتت. قال : سترت عورتي، قال : ما فعل أخي ؟
قال : مات، قال : انقطع ظهري.
وعن أبي قلابة قال : قيل للقمان أي الناس أصبر ؟
قال : صبر لا معه أذى، قيل : فأيّ الناس أعلم ؟
قال : من ازداد من علم الناس إلى علمه، قيل : فأي الناس خير ؟
قال : الغني، قيل الغني من المال ؟
قال : لا، ولكن الغني من التمس عنده خير وجد وإلا أغنى نفسه عن الناس.
وعن سفيان : قيل للقمان : أي الناس شر ؟
قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً، وعن عبد الله بن زيد قال قال لقمان ألا إن يد الله على أفواه الحكماء لا يتكلم أحدهم إلا ما هيأ الله تعالى له، ولما استدل سبحانه بقوله تعالى :﴿خلق السموات بغير عمد﴾ على الوحدانية وبين بحكمة لقمان أنّ معرفة ذلك غير مختصة بالنبوّة استدل ثانياً على الوحدانية بالنعم بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
٢٥٠
﴿ألم تروا﴾ أي : تعلموا علماً هو في ظهوره كالمشاهدة ﴿أن الله﴾ أي : الحائز لكل كمال ﴿سخر لكم﴾ أي : لأجلكم ﴿ما في السموات﴾ من الإنارة والإظلام والشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر والبرد وغير ذلك من الإنعامات مما لا يحصى، كما قال ﴿والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره﴾ ﴿و﴾ سخر لكم ﴿ما في الأرض﴾ من البحار والثمار والآبار والأنهار والدواب والمعادن وغير ذلك مما لا يحصى ﴿وأسبغ﴾ أي : أوسع وأتم ﴿عليكم﴾ وقوله تعالى ﴿نعمه﴾ قرأه نافع وأبو عمرو وحفص بفتح العين وبعد الميم هاء مضمومة، والباقون بسكون العين وبعد الميم تاء مفتوحة منونة، ومعناها الجمع أيضاً كقوله تعالى ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ (إبراهيم : ٣٤)
واختلف في قوله عز وجل ﴿ظاهرة وباطنة﴾ على أقوال : فقال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : القرآن والإسلام، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة، وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة، وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام، والباطنة ما ستر من الذنوب، وقال الربيع : الظاهرة الجوارح والباطنة القلب، وقال عطاء الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة، وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة، وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته، وقيل الظاهرة تمام الرزق والباطنة تمام الخلق، وقيل الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب، وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك، ويروى في دعاء موسى : عليه السلام إلهي دلني على إخفاء نعمتك على عبادك، فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس، ويروى أن أيسر ما يعذب به أهل النار الأخذ بالأنفاس، ونزل في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي ﷺ في الله تعالى وفي صفاته.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
ومن الناس﴾ أي : أهل مكة ﴿من يجادل﴾ أي : يحاجج فلا لهو أعظم من جداله ولا كبر مثل كبره ولا ضلال مثل ضلاله وأظهر زيادة التشنيع على هذا المجادل بقوله تعالى :﴿في الله﴾ أي : المحيط علماً وقدرة ثم بين تعالى مجادلته أنها ﴿بغير علم﴾ أي : مستفاد من دليل بل بألفاظ في ركاكة معانيها لعدم إسنادها إلى حس ولا عقل ملحقة بأصوات الحيوانات العجم فكان بذلك حماراً تابعاً للهوى ﴿ولا هدى﴾ أي : من رسول عُهِد منه سداد الأقوال والأفعال بما أبدى من المعجزات والآيات البينات فوجب أخذ أقواله مسلمة وإن لم يظهر معناها ﴿ولا كتاب﴾ أي : من الله تعالى، ثم وصفه بما هو لازم له بقوله تعالى :﴿منير﴾ أي : بين غاية البيان ؛ بل إنما يجادل بالتقليد كما قال تعالى :
٢٥١