﴿أولم﴾ أي : أيقولون في إنكار البعث أئذا ضللنا في الأرض ولم ﴿يروا أنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿نسوق الماء﴾ أي : من السماء أو الأرض ﴿إلى الأرض الجرز﴾ أي : التي جرز نباتها أي : قطع باليبس والتهشم أو بأيدي الناس فصارت ملساء لا نبات فيها، وفي البخاري عن ابن عباس أنها التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز ويدل عليه قوله تعالى ﴿فنخرج به﴾ من أعمال الأرض بذلك الماء ﴿زرعاً﴾ أي : نبتاً لا ساق له باختلاط الماء بالتراب، وقيل الجرز : اسم موضع باليمن ﴿تأكل منه أنعامهم﴾ أي : من حبه وورقه وتبنه وحشيشه ﴿وأنفسهم﴾ أي : من الحبوب والأقوات، وقدّم الأنعام لوقوع الامتنان بها لأن بها قوامهم في معايشهم وأبدانهم ولأن الزرع غذاء للدواب لابد منه، وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
فإن قيل : في سورة عيسى قدم ما للإنسان أولاً فما الحكمة ؟
أجيب : بأن السياق فيها لطعام الإنسان الذي هو نهاية الزرع حيث قال :﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ (عبس : ٢٤)
ثم قال :﴿فأنبتنا فيها حباً﴾ (عبس : ٢٧)
وذكر من طعامه من العنب وغيره ما لا يصلح للأنعام فقدمه، وهذا السياق لمطلق إخراج الزرع، وأول صلاحه إنما هو لأكل الأنعام ولا يصلح للإنسان. ولما كانت هذه الآية مبصرة قال ﴿أفلا يبصرون﴾ هذا فيعلموا أنا نقدر على إعادتهم بخلاف الآية الماضية فإنها كانت مسموعة فقال :﴿أفلا يسمعون﴾.
ثم لما بين الرسالة والتوحيد بين الحشر بقوله تعالى :
﴿ويقولون﴾ أي : مع هذا البيان الذي ليس معه خفاء ﴿متى هذا الفتح﴾ أي : يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم ويوم نصرهم عليهم وقيل : هو يوم بدر، وعن مجاهد والحسن يوم فتح مكة ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي : عريقين في الصدق بالإخبار بأنه لابد من وقوعه حتى نؤمن إذا رأيناه، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
﴿قل﴾ أي : لهؤلاء الجهلة ﴿يوم الفتح﴾ أي : الذي تستهزئون به وهو يوم القيامة ﴿لا ينفع الذين كفروا﴾ أي : غطوا آيات ربهم التي لا خفاء بها، سواء في ذلك أنتم وغيركم ممن اتصف بهذا الوصف ﴿إيمانهم﴾ لأنه ليس إيماناً بالغيب ﴿ولا هم ينظرون﴾ أي : يمهلون في إيقاع العذاب بهم لحظة ما من منتظر ما، فإن قيل : قد سألوا عن وقت الفتح فكيف ينطبق هذا الكلام جواباً عن سؤالهم ؟
أجيب : بأنه كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم على وجه التكذيب والاستهزاء، فأجيبوا على حسب ما علم من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم : لا تستعجلوا بعد ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم في إدارك العذاب فلم تنظروا.
فإن قيل : فمن فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر كيف يستقيم على تفسيره أن لا ينفعهم الإيمان وقد نفع الطلقاء يوم فتح مكة وناساً يوم بدر، أجيب : بأن المراد أن المقتولين منهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه حال إدراك الغرق وقوله تعالى :
﴿فأعرض عنهم﴾ أي : لا تبال بتكذيبهم ﴿وانتظر﴾ أي : إنزال العذاب بهم ﴿إنهم منتظرون﴾ أي : بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك، كان ذلك قبل الأمر بقتالهم وقيل : انتظر عذابهم بيقينك إنهم منتظرونه بلفظهم استهزاء كما قالوا ﴿فأتنا بما تعدنا﴾ (الأعراف : ٧٠)
وعن أبي هريرة قال :"كان رسول الله ﷺ يقرأ في الفجر يوم الجمعة ألم تنزيل في الركعة
٢٧٧
الأولى، وهل أتى على الإنسان أي : في الركعة الثانية" وعن جابر قال :"كان النبي ﷺ لا ينام حتى يقرأ تبارك، وألم تنزيل، ويقول : هما يفضلان على كل سورة في القرآن بسبعين حسنة ومن قرأهما كتب له سبعون حسنة ورفع له سبعون درجة".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
وعن أبيّ بن كعب أن النبي ﷺ قال :"من قرأ سورة ألم تنزيل أعطي من الأجر كمن أحيا ليلة القدر" وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عنه ﷺ "من قرأ ألم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام" قال شيخ شيخنا ابن حجر : لم أجده. والله تعالى أعلم بالصواب.
٢٧٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣


الصفحة التالية
Icon