تنبيه : قال البخاري : قال موسى بن عقبة : كانت غزوة الخندق وهي الأحزاب في شوال سنة أربع، روى محمد بن إسحاق عن مشايخه قال : دخل حديث بعضهم في بعض أن نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهودة بن قيس، وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ﷺ خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله ﷺ وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه ؟
قالوا : دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت﴾ (النساء : ٥١)
إلى قوله تعالى :﴿وكفى بجهنم سعيراً﴾ (النساء، ٥٥)
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ﷺ وأجمعوا على ذلك، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤوا غطفان فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد بايعوهم على ذلك، فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن، فلما سمع بهم رسول الله ﷺ وبما جمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، وكان الذي أشار به على النبي ﷺ سلمان الفارسي رضي الله عنه وكان أول مشهد شهده سلمان رضي الله عنه مع النبي ﷺ وهو يومئذ حُرٌّ فقال : يا رسول الله إنا كنا
٢٨٧
بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فعمل فيه رسول الله ﷺ والمسلمون حتى أكملوه وأحكموه، قال أنس رضي الله عنه :"خرج رسول الله ﷺ إلى الخندق فإذا المهاجرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال :
*اللهم إن العيش عيش الآخرة ** فاغفر للأنصار والمهاجرة*
فقالوا مجيبين له :
*نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا*
قال البراء : كان رسول الله ﷺ ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبرَّ بطنه وهو يقول :
"والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأولى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ورفع بها صوت أبينا أبينا" فلما فرغ رسول الله ﷺ من الخندق أقبلت قريش في عشرة آلاف من الأحابيش، وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان حتى نزلت بمجمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة، وأقبلت غطفان في ألف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن، وعامر بن الطفيل من هوازن، وانضافت لهم اليهود من قريظة والنضير حتى نزلوا إلى جانب أحد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٦
وخرج رسول الله ﷺ والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا إلى الآطام، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة، وكان بنو غطفان من أعلى الوادي من قبل المشرق، وقريش من أسفل الوادي من قبل المغرب كما قال تعالى :
﴿إذ جاؤكم﴾ وهو بدل من إذ جاءتكم ﴿من فوقكم﴾ أي : من أعلى الوادي ﴿ومن أسفل منكم﴾ أي : من أسفل الوادي ﴿وإذ﴾ أي : واذكر حين ﴿زاغت الأبصار﴾ أي : مالت عن سداد القصد فعل الواله الجزع بما حصل لهم من الغفلة الحاصلة من الرعب، وقوله تعالى :﴿وبلغت القلوب الحناجر﴾ جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم كناية عن شدة الرعب والخفقان. قال البقاعي : ويجوز وهو الأقرب أن يكون ذلك حقيقة بجذب الطحال والرئة لها عند ذلك بانتفاخهما إلى أعلى الصدر، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره أي : رئته، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله ﷺ إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عمرو وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
٢٨٨


الصفحة التالية
Icon