صار سيفاً قوىّ المتن جيد الحديدة، وذلك أن سيف عبد الله بن جحش انقطع يوم أحد فأعطاه رسول الله ﷺ عرجوناً فصار في يده سيفاً قائمة منه فقاتل به، فكان يسمى العرجون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله ﷺ وبعده حتى قتل، وهو عنده وعن الواقدي :"أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فأعطاه رسول الله ﷺ قضيباً كان في يده من عراجين رطاب فقال : اضرب به فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل" وإلحام داود للحديد ليس بأعجب من :"إلحام النبي ﷺ ليد معوذ بن عفراء لما قطعها أبو جهل يوم بدر فأتى بها يحملها في يده الأخرى فبصق عليها رسول الله ﷺ وألصقها فلصقت وصحت مثل أختها" كما نقله البيهقي وغيره ومعجزاته ﷺ لا تنحصر، وإنما أذكر بعضها تبركاً بذكره ﷺ وأسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرته ويفعل ذلك بأهلينا ومحبينا.
ولما أتم الله تعالى المراد من آيات داود عليه السلام، أتبعها بعض آيات ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام لمشاركته في الإنابة بقوله تعالى :
﴿ولسليمان﴾ أي : عوضاً عن الخيل التي عقرها لله تعالى ﴿الريح﴾ قرأ شعبة الريح بالرفع على الابتداء، والخبر في الجار قبله أو محذوف والباقون بالنصب بإضمار فعل أي : وسخرنا ﴿غدوها﴾ أي : سيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال ﴿شهر﴾ أي : تحمله وتذهب به وبجميع عسكره من الصباح إلى نصف النهار مسيرة شهر ﴿ورواحها﴾ أي : من الزوال إلى الغروب ﴿شهر﴾ أي : مسيرته فكانت تسير به في يوم واحد مسيرته شهرين قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، وهذا كما سخر الله تعالى الريح لنبينا ﷺ في غزوة الأحزاب، فكانت تهد خيامهم وتضرب وجوههم بالتراب والحجارة، وهي لا تجاوز عسكرهم إلى أن هزمهم الله تعالى بها، وكما حملت شخصين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك فألقتهما بجبل طيىء، وتحمل من أراد الله تعالى من أولياء أمته كما هو في غاية الشهرة ونهاية الكثرة، وأما أمر الإسراء والمعراج فهو من الجلالة والعظم بحيث لا يعلمه إلا الله تعالى، مع أن الله تعالى صرفه في آيات السماء بحبس المطر تارة وإرساله أخرى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٠
ولما ذكر تعالى الريح أتبعها ما هو من أسباب تكوينه بقوله تعالى :﴿وأسلنا﴾ أي : أذبنا بما لنا من العظمة ﴿له عين القطر﴾ أي : النحاس حتى صار كأنه عين ماء فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان ﴿ومن الجن﴾ أي : الذي سترناهم عن العيون من الشياطين وغيرهم عطف على الريح أي : وسخرنا له من الجن ﴿من يعمل بين يديه﴾ أي : قد أمكنه الله تعالى منهم غاية الإمكان في غيبته وحضوره ﴿بإذن﴾ أي : بأمر ﴿ربه﴾ أي : بتمكين المحسن إليه ﴿ومن يزغ﴾ أي : يمل ﴿منهم عن أمرنا﴾ أي : عن أمره الذي هو من أمرنا ﴿نذقه من عذاب السعير﴾ أي : النار أي : في الآخرة وقيل : في الدنيا بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة يحرقه، وهذا كما أمكن نبينا ﷺ من ذلك العفريت فخنقه وهم بربطه حتى تلعب به صبيان المدينة، ثم تركه تأدباً مع أخيه سليمان عليه السلام فيما سأل الله تعالى فيه، وأما الأعمال التي يدور عليها إقامة الدين فأغناه الله تعالى فيها عن الجن بالملائكة الكرام عليهم السلام وسلط جمعاً من صحابته
٣٥٤