تنبيه : مفعول ترى وجواب لو محذوفان للفهم أي : لو ترى حال الظالمين وقت وقوفهم راجعاً بعضهم إلى بعض القول لرأيت حالاً فظيعة وأمراً منكراً ويرجع حال من ضمير موقوفون، والقول مفعول يرجع، لأنه يتعدى قال تعالى :﴿فإن رجعك الله﴾ (التوبة : ٨٣)
وقوله تعالى ﴿يقول الذين استضعفوا﴾ أي : وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحال على سبيل اللوم ﴿للذين استكبروا﴾ أي : أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى
٣٧٠
استضعافهم للأولين وهم الرؤوس المتبوعون ﴿لولا أنتم﴾ أي : لولا ضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان ﴿لكنا مؤمنين﴾ أي : باتباع الرسول تفسير لقوله تعالى :﴿يرجع﴾ فلا محل له قال ابن عادل : وأنتم بعد لولا مبتدأ على أصح المذاهب وهذا هو الأفصح أعني وقوع ضمائر الرفع بعد لولا أي : وغيره فصيح خلافاً للمبرد حيث جعل خلاف هذا لحناً، وأنه لم يرد إلا في قول زياد : وكم موطن لولاي وإلا قيس جعل الياء ضمير نصب أو جر قام مقام ضمير الرفع وسيبويه جعله ضمير جر.
ولما لم يتضمن كلامهم سوى قضية واحدة ذكر الجواب عنها بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٦
﴿قال الذين استكبروا﴾ على طريق الاستئناف ﴿للذين استضعفوا﴾ رداً عليهم وإنكاراً لقولهم إنهم هم الذين صدوهم ﴿أنحن﴾ خاصة ﴿صددناكم﴾ أي : منعناكم ﴿عن الهدى بعد إذ جاءكم﴾ أي : على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام لم نفعل ذلك ؛ لأن المانع ينبغي أن يكون أرجح من المقتضى حتى يعمل عمله، والذي جاء به الرسل هو الهدى والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئاً يوجب الامتناع من قبول ما جاؤوا به فلم يصح تعلقكم بالمانع، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم، والباقون بالإدغام وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان وفتحها الباقون، وكذا الإظهار والإدغام في ﴿إذ تأمروننا﴾ (سبأ : ٢٣)
وإذا وقف حمزة على ﴿جاءكم﴾ سهل الهمزة مع المد والقصر، وله أيضاً إبدالها ألفاً مع المد والقصر ﴿بل كنتم﴾ أي : جبلة وخلقاً ﴿مجرمين﴾ أي : كافرين لاختياركم لأقوالنا وتسويلنا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧١
فإن قيل : إذ وإذا من الظروف الملازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافاً إليها ؟
أجيب : بأنه قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك : جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذٍ ويومئذٍ.
ولما أنكر المستكبرون بقولهم :﴿أنحن صددناكم﴾ أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين واثبتوا بقولهم ﴿بل كنتم مجرمين﴾ أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضعفون كما قال تعالى :
﴿وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا﴾ رداً لإنكارهم صدهم ﴿بل﴾ أي : الصاد لنا ﴿مكر الليل والنهار﴾ أي : الواقع فيهما من مكركم فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم بنا ليلاً ونهاراً ﴿إذ تأمروننا أن
٣٧١
نكفر بالله﴾ أي : الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إتيان الرسل ﴿ونجعل له أنداداً﴾ أي : شركاء نعبدهم من دونه، فإن قيل : لم قيل ﴿قال الذين استكبروا﴾ بغير عطف وقيل ﴿وقال الذي استضعفوا﴾ أجيب : بأن الذين استضعفوا مر أولاً كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستئناف ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول.
تنبيه : يجوز رفع مكر من ثلاثة أوجه :
أحدها : الفاعلية تقديره بل صدنا مكركم في هذين الوقتين كما مر.
الثاني : أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي : مكر الليل صدنا.
الثالث : العكس أي : سبب كفرنا مكركم وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازي كقولهم ليل ماكر والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام كقول الشاعر :
* ** ونمت وما ليل المطي بنائم*
فيكون مصدراً مضافاً لمرفوعه، وأما على الاتساع في الظرف فجعل كالمفعول به فيكون مصدراً مضافاً لمفعوله قال ابن عادل : وهذا أحسن من قول من قال : إن الإضافة بمعنى في أي : مكر في الليل لأن ذلك لم يثبت في محل النزاع وقيل مكر الليل والنهار طول السلامة وطول الأمل فيهما كقوله تعالى ﴿فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم﴾ (الحديد : ١٦)
تنبيه : قوله تعالى أولاً يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول ﴿الذين استضعفوا﴾ بلفظ المستقبل، وقوله تعالى في الآيتين الأخيرتين ﴿وقال الذين استكبروا﴾ ﴿وقال الذين استضعفوا﴾ بلفظ الماضي مع أن السؤال والمراجعة في القول لم يقع، أشار به إلى أن ذلك لا بد من وقوعه فإن الأمر الواجب الوقوع كأنه وقع كقوله تعالى :﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾ (الزمر : ٣٠)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧١
وأما الاستقبال فعلى الأصل ﴿وأسروا﴾ أي : الفريقان ﴿الندامة﴾ من المستكبرين والمستضعفين وهم الظالمون في قوله تعالى ﴿إذا الظالمون موقوفون﴾ (سبأ : ٣١)