﴿أولئك﴾ أي : العالو الرتبة العظيمة العظيمو المنزلة ﴿يجزون﴾ أي : فضلاً من الله تعالى على ما وفقهم له من هذه الأعمال الزاكية والأحوال الصافية ﴿الغرفة﴾ أي : الغرفات وهي العلالي في الجنة فوحد اقتصاراً على الواحد الدال على الجنس والدليل على ذلك قوله تعالى :﴿وهم في الغرفات آمنون﴾ (سبأ، ٣٧)، وقيل : هي من أسماء الجنة، ولما كانت القرب في غاية التعب لمنافاتها لشهوات النفس وهواها وطبع البدن رغب فيها بأن جعلها سبباً لهذا الجزاء بقوله تعالى :﴿بما صبروا﴾ أي : أوقعوا الصبر على أمر ربهم ومرارة غربتهم بين الجاهلين في أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وغير ذلك من معالي خلالهم، ولما كان المنزل لا يطيب إلا بالكرامة والسلامة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧
قال تعالى ﴿ويلقون فيها﴾ أي : الغرفة ﴿تحية﴾ أي : دعاء الحياة من بعضهم لبعض ومن الملائكة الذين لا يرد دعاؤهم ولا يمترى في إخبارهم، لأنهم عن الله تعالى ينطقون وذلك على وجه الإعظام والإكرام مكان ما أهانهم عباد الشيطان وقيل : ملكاً وقيل : بقاءً دائماً ﴿وسلاماً﴾ أي : من الله والملائكة وغيرهم وسلامة من كل آفة مكان ما أصابوهم بالمصائب : اللهم وفقنا لطاعتك واجعلنا من أهل رحمتك وارزقنا مما رزقتهم في دار رضوانك يا أرحم الراحمين، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بفتح الياء وسكون اللام
٣٨
وتخفيف القاف من لقي كما قال تعالى :﴿فسوف يلقون غياً﴾ (مريم، ٥٩)، والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف أي : يجعلهم الله تعالى لاقين بأيسر أمر كما قال تعالى ﴿ولقاهم نضرة وسروراً﴾ (الإنسان، ١١)
﴿خالدين فيها﴾ أي : الغرفة لا يموتون ولا يخرجون مكان ما أزعجوهم من ديارهم حتى هاجروا ودلَّ على علو أمرها وعظيم قدرها بإبراز مدحها في مظهر التعجب بقوله تعالى :﴿حسنت﴾ أي : ما أحسنها ﴿مستقراً﴾ أي : موضع استقرار ﴿ومقاماً﴾ أي : موضع إقامة وهذا مقابل ساءت ومثله في الإعراب، ولما شرح سبحانه وتعالى صفات المتقين وأثنى عليهم من أجلها وشرح ثوابهم أمر رسوله ﷺ بقوله تعالى :
﴿قل﴾ أي : لكفار مكة ﴿ما يعبأ﴾ أي : ما يصنع ﴿بكم﴾ أيها الكافرون من عبأت الجيش أو لا يعتد بكم ﴿ربي﴾ أي : المحسن إليّ وإليكم برحمانيته المخصص لي بالإحسان برحيميته وإنما خص بالإضافة لاعترافه دونهم ﴿لولا دعاؤكم﴾ أي : عبادتكم وما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر كأنه قيل : وأي عبء يعبأ بكم لولا عبادتكم وطاعتكم إياه كما قال تعالى :﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ (الذاريات، ٥٦)
﴿فقد كذبتم﴾ بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد، وقال قوم : ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة وما يفعل بعذابكم لولا شرككم كما قال تعالى :﴿ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم﴾ لولا دعاؤكم أي : نداؤكم في الشدائد كما قال تعالى :﴿فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين﴾ (العنكبوت، ٦٥)، وقوله تعالى :﴿فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون﴾ (الأنعام، ٤٢)
ويجوز أن تكون ما نافية وجرى على ذلك الجلال المحلي ﴿فسوف﴾ أي : فتسبب عن تكذيبهم أن يجازيكم على ذلك ولكنه مع قدرته واختياره وقوته لا يعاجلكم بل ﴿يكون﴾ جزاء هذا التكذيب عند انقضاء ما ضربه لكم من الآجال ﴿لزاماً﴾ أي : لازماً يحيق بكم لا محالة، فاعتدوا وتهيؤوا لذلك اليوم فكل آت قريب وكل بعيد عنكم قريب عنده، وعن مجاهد : هو القتل يوم بدر وإنه لوزم بين القتلى لزاماً قتل منهم تسعون وأسر منهم سبعون، وعن ابن مسعود : خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله ﷺ من أن "من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير حساب" حديث موضوع والله أعلم.
٣٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon