وديدنهم، وعن مطرف : هي آية القراء، وعن الكلبي : يأخذون بما فيه، وقيل : يعلمون ما فيه ويعملون به، وعن السدي : هم أصحاب رسول الله ﷺ وعن عطاء : هم المؤمنون ﴿وأقاموا الصلاة﴾ أي : أداموها ﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ من زكاة وغيرها ﴿سراً وعلانية﴾ قيل : السر في المسنون والعلانية في المفروض.
تنبيه : أشار تعالى بقوله سبحانه وتعالى ﴿يتلون كتاب الله﴾ إلى الذكر وبقوله تعالى :﴿وأقاموا الصلاة﴾ إلى العمل البدني وبقوله تعالى :﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ إلى العمل المالي، وفي هاتين الآيتين الشريفتين حكمة بالغة وهي أن قوله تعالى ﴿إنما يخشى الله﴾ إشارة إلى عمل القلب وقوله تعالى ﴿الذين يتلون﴾ إشارة إلى عمل اللسان وقوله ﴿وأقاموا الصلاة﴾ إشارة إلى عمل الجوارح ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله تعالى وقوله تعالى ﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ بمعنى الشفقة على خلقه وقوله تعالى ﴿سراً وعلانية﴾ حث على الإنفاق كيفما تهيأ، فإن تهيأ سراً فذاك وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء.
ولما أحل تعالى هؤلاء بالمحل الأعلى بين حالهم بقوله تعالى :﴿يرجون﴾ أي : في الدنيا والآخرة ﴿تجارة﴾ أي : بما عملوا ﴿لن تبور﴾ أي : تكسد وتهلك بل هي باقية ؛ لأنها رفعت إلى من لا تضيع إليه الودائع وهي رائجة رابحة لكونه تعالى تام القدرة شامل العلم له الغنى المطلق.
﴿ليوفيهم أجورهم﴾ أي : جزاء أعمالهم بالثواب ﴿ويزيدهم من فضله﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه : يعني سوى الثواب ما لم تر عين ولم تسمع أذن، ويحتمل أن يزيدهم النظر إليه تعالى كما جاء في تفسير الزيادة وهذا هو النعمة العظمى ﴿إنه غفور شكور﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه : يغفر الذنب العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم، وقيل : غفور عند إعطاء الأجر شكور عند إعطاء الزيادة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٥
تنبيه : في خبر إن من قوله ﴿إن الذين يتلون كتاب الله﴾ وجهان : أحدهما : أنه الجملة من قوله تعالى : يرجون تجارة أي : إن التالين يرجون، ولن تبور صفة تجارة، وليوفيهم متعلق ب يرجون أو تبور، أو بمحذوف أي : فعلوا ذلك ليوفيهم، وعلى الوجهين الأولين يجوز أن تكون لام العاقبة. والثاني : أن الخبر إنه غفور شكور جوز هذا الزمخشري على حذف العائد أي : غفور لهم وعلى هذا فيرجون حال من أنفقوا أي : أنفقوا ذلك راجين.
ولما بين تعالى الأصل الأول وهو وجود الله تعالى الواحد بالدلائل في قوله تعالى ﴿الله الذي يرسل الرياح﴾ وقوله تعالى ﴿والله خلقكم﴾ وقوله تعالى ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء﴾ ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٥
٤٠٠
﴿والذي أوحينا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿إليك من الكتاب﴾ أي : الجامع خيري الدارين.
تنبيه :"من الكتاب" يجوز أن تكون من للبيان كما يقال : أرسل إلى فلان من الثياب جملة، وأن تكون للجنس، وأن تكون لابتداء الغاية كما يقال : جاءني كتاب من الأمير، وعلى كل فالكتاب يمكن أن يراد به اللوح المحفوظ يعني : الذي أوحينا من اللوح المحفوظ ﴿هو الحق﴾ أي : الكامل في الثبات ومطابقة الواقع، ويمكن أن يراد به القرآن وهو ما اقتصر عليه الجلال المحلي يعني : الإرشاد والتبيين اللذين أوحينا إليك من القرآن، ويمكن أن تكون من للتبعيض وهو فصل أو مبتدأ وقوله تعالى ﴿مصدقاً لما بين يديه﴾ أي : لما تقدمه من الكتب حال مؤكدة ؛ لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق وهذا تقرير لكونه وحياً ؛ لأن النبي ﷺ لما لم يكن قارئاً كاتباً وأتى ببيان ما في كتاب الله لا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى، فإن قيل : لم يجعل ما تقدم مصدقاً للقرآن ؟
أجيب : بأن القرآن كونه معجزة يكفي تصديقه بأنه وحي وأما ما تقدم فلا بد فيه من معجزة تصدقه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٠
تنبيه : قوله تعالى ﴿هو الحق﴾ آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين : أحدهما : أن التعريف للخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور ؛ لأن الخبر في الأكثر يكون نكرة. الثاني : أن الإخبار في الغالب يكون إعلاماً بثبوت أمر لا يعرفه السامع كقولنا : زيد قام فإن السامع ينبغي أن يكون عارفاً ولا يعلم قيامه فيخبر به، فإذا كان الخبر معلوماً فتكون الأخبار للنسبة فتعرف باللام كقولنا : إن زيداً العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهوراً.
﴿إن الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال ﴿بعباده لخبير﴾ أي : عالم أدق العلم وأتقنه ببواطن أحوالهم ﴿بصير﴾ أي : بظواهر أمورهم وبواطنها أي : فهو يسكن الخشية والعلم في القلوب على قدر ما أوتوا من الكتاب في علمه، فأنت أحقهم بالكمال ؛ لأنك أخشاهم وأتقاهم فلذلك آتيناك هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية وقوله تعالى :