﴿واضرب﴾ بمعنى واجعل ﴿لهم﴾ وقوله تعالى ﴿مثلاً﴾ مفعول أول، وقوله تعالى :﴿أصحاب﴾ مفعول ثان والأصل : واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب ﴿القرية﴾ فترك المثل وأقيم الأصحاب مقامه في الإعراب كقوله تعالى ﴿واسأل القرية﴾ (يوسف : ٨٢)
قال الزمخشري : وقيل لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى : اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً، أو مثل أصحاب القرية بهم قال المفسرون : المراد بالقرية أنطاكية وقوله تعالى ﴿إذ جاءها﴾ إلخ بدل اشتمال من أصحاب القرية أي : إذ جاء أهلها ﴿المرسلون﴾ أي : رسل عيسى عليه السلام وإضافة إلى نفسه في قوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧
إذ أرسلنا إليهم اثنين﴾ لأنه فعل رسوله عليه السلام ﴿وإذ أرسلنا﴾ إلخ بدل من إذ الأولى، وفي هذا لطيفة وهي أن في القصة أن الرسل كانوا مبعوثين من جهة عيسى عليه السلام أرسلهم إلى أنطاكية فقال تعالى : إرسال عيسى عليه السلام هو إرسالنا ورسول رسول الله بإذن الله رسول الله فلا تفهم يا محمد أن أولئك كانوا رسل الرسول وإنما هو رسل الله تعالى، فتكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله تعالى :﴿إذ أرسلنا﴾ ويؤيد هذا مسألة فقهية وهي أن كل وكيل للوكيل بإذن الموكل عند الإطلاق وكيل الموكل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه، وينعزل إذا عزله الموكل الأول.
٤١٧
تنبيه : في بعث الاثنين حكمة بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة عيسى عليه السلام بإذن الله تعالى، فكان عليهما إنهاء الأمر إليه والإتيان بما أمر الله تعالى، والله سبحانه عالم بكل شيء لا يحتاج إلى شاهد يشهد عنده، وأما عيسى عليه السلام فبشر فأمر الله تعالى بإرسال اثنين ليكون قولهما على قومهما عند عيسى عليه السلام حجة ثابتة، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم في الوصل، وحمزة والكسائي بضمهما، والباقون بكسر الهاء وضم الميم وأما الوقف فحمزة بضم الهاء، والباقون بكسرها، والجميع في الوقف بسكون الميم. ﴿فكذبوهما﴾ أي : مع ما لهما من الآيات ؛ لأن من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر سواء أكان عنا من غير واسطة، أو كان بواسطة رسولنا كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النورين لما ذهب إلى قومه وسأل النبي ﷺ أن تكون له آية فكانت نوراً في جبهته، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٧