﴿الذي جعل لكم﴾ أي : في جملة الناس ﴿من الشجر الأخضر﴾ أي : الذي تشاهدون فيه الماء ﴿ناراً﴾ قال ابن عباس : هما شجرتان يقال لإحداهما : المرخ والأخرى : العفار، الأول : بفتح الميم والخاء المعجمة شجر سريع الوري أي : القدح، والثاني : بفتح المهملة وفاء وراء بعد ألف الزند فمن أراد منهما النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما أخضران يقطران الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو أنثى فيخرج منهما النار بإذن الله تعالى وتقول العرب : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار، وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا العناب ﴿فإذا أنتم﴾ أي : فتسبب عن ذلك مفاجأتكم لأنه ﴿منه﴾ أي : من الشجر الموصوف بالخضرة ﴿توقدون﴾ أي : توجدون الإيقاد ويتجدد لكم ذلك مرة بعد أخرى وهذا أدل على القدرة على البعث فإنه جمع فيه بين الماء والنار والخشب فلا الماء يطفئ النار ولا النار تحرق الخشب.
ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال تعالى :
﴿أوليس الذي خلق﴾ أي : أوجد من العدم ﴿السموات والأرض﴾ أي : على كبرهما وعظم ما فيهما من المنافع والمصانع والعجائب والبدائع، وأثبت الجار تحقيقاً للأمر وتأكيداً للتقرير فقال تعالى ﴿بقادر على أن يخلق مثلهم﴾ أي : مثل هؤلاء الأناسي في الصغر أي : يعيدهم بأعيانهم، وقيل : الضمير يعود على السموات والأرض لتضمنهم من يعقل والأول أظهر ؛ لأنهم المخاطبون وقوله تعالى ﴿بلى﴾ جواب ليس وإن دخل عليها الاستفهام المصير لها إيجاباً أي : هو قادر على ذلك أجاب نفسه تعالى ﴿وهو﴾ مع ذلك أي : مع كونه عالماً بالخلق ﴿الخلاق﴾ أي : الكثير الخلق ﴿العليم﴾ أي : البالغ في العلم الذي هو منشأ القدرة فلا يخفى عليه كلي ولا جزئي في ماض ولا حال ولا مستقبل شاهد أو غائب.
ولما تقرر ذلك أنتج قوله تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم القدرة على البعث :
﴿إنما أمره﴾ أي : شأنه ووصفه ﴿إذا أراد شيئاً﴾ أي : خلق شيء من جوهر أو عرض أي شيء كان ﴿أن يقول له كن﴾ أي : أن يريده ﴿فيكون﴾ أي : يحدث وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعاً لمادة الشبهة وهو
٤٤٦
قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق، وقرأ ابن عامر والكسائي بنصب النون عطفاً على يقول، والباقون بالرفع أي : فهو يكون.
ولما كان ذلك تسبب عنه المبادرة إلى تنزيهه تعالى عما ضربوه له من الأمثال فلذلك قال :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٣
فسبحان﴾ أي : تنزه عن كل شائبة نقص تنزهاً لا يبلغ أفهامكم كنهه وعدل عن الضمير إلى وصف يدل على غاية العظمة فقال ﴿الذي بيده﴾ أي : قدرته وتصرفه خاصة لا بيد غيره ﴿ملكوت كل شيء﴾ أي : ملكه التام وملكه ظاهراً وباطناً.
ولما كان التقدير فمنه تبدؤون عطف عليه قوله تعالى ﴿وإليه﴾ أي : لا إلى غيره ﴿ترجعون﴾ أي : معنى في جميع أموركم وحسّاً بالبعث لينصف بينكم فيدخل بعضاً النار وبعضاً الجنة، وعن ابن عباس : كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا به لهذه الآية.
وما رواه البيضاوي عنه ﷺ "إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس"، و"أيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون قبض روحه وغسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه"، و "أيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان ويمكث في قبره وهو ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان" حديث موضوع.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ "من قرأ سورة يس في ليلة أصبح مغفوراً له" وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات". وعن يحيى بن أبي كثير قال : بلغنا أن من قرأ يس حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي ومن قرأها حين يمسي لم يزل في فرح حتى يصبح.
٤٤٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٣