وقيل : ما وصف الله تعالى نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام وحالتهما المذكورة تشهد عليه.
﴿فلما بلغ معه السعي﴾ أي : أن يسعى معه قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة : بلغ معه السعي إي المشي معه إلى الجبل وقال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ما شب حتى بلغ سعيه بسعي إبراهيم والمعنى : بلغ أن يتصرف معه وأن يعينه في عمله، وقال الكلبي : يعني العمل لله تعالى وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقيل : سبع سنين.
تنبيه : معه متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأن قائلاً قال : مع من بلغ السعي ؟
فقيل : مع أبيه ولا يجوز تعلقه ببلغ ؛ لأنه يقتضي بلوغهما معاً حد السعي ولا يجوز تعلقه بالسعي ؛ لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه.
وقوله تعالى ﴿قال يا بني إني أرى﴾ أي : رأيت ﴿في المنام أني أذبحك﴾ يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره، وقيل : إنه رأى في ليلة التروية في منامه كأن قائلاً يقول له : إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله أم من الشيطان ؟
فمن ثم سمى يوم التروية فلما أمسى رأى أيضاً مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة ثم رأي مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر، وهذا قول أكثر المفسرين، وهو يدل على أنه رأى في المنام ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقظة وعلى هذا فتقدير اللفظ : أرى في المنام ما يوجب أني أذبحك.
تنبيه : اختلف في الذبيح فقيل : هو اسحق عليه السلام وبه قال : عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وغيرهم، وقيل : إسماعيل وبه قال ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم وغيرهم وهو الأظهر كما قاله البيضاوي ؛ لأنه الذي وهب له أثر الهجرة ولأن البشارة بإسحق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ولقوله ﷺ "أنا ابن الذبيحين". وقال له أعرابي : يا ابن الذبيحين فتبسم النبي ﷺ فسئل عن ذلك فقال : إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر إن سهل الله
٤٦٨
أمرها ليذبحن أحد ولده فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا له : افد ابنك بمائة من الإبل ولذلك سنت الإبل مائة والذبيح الثاني إسماعيل، ونقل الأصمعي أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عقلك ومتى كان إسحاق بمكة ؟
وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
وقد وصف الله تعالى إسماعيل عليه السلام بالصبر دون إسحاق عليه السلام في قوله تعالى ﴿وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين﴾ (الأنبياء : ٨٥)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٤
وهو صبره على الذبح ووصفه أيضاً بصدق الوعد فقال :﴿إنه كان صادق الوعد﴾ (مريم : ٥٤)
لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فقال ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ (الصافات : ١٠٢)
وقال تعالى :﴿فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب﴾ (هود : ٧١)
فكيف تقع البشارة بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له ؟
هذا يناقض البشارة المتقدمة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل : الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه السلام وعليه جمهور العلماء من الخلف والسلف قال ابن عباس : وزعمت اليهود أنه اسحق عليه السلام وكذبت اليهود وما روي أنه ﷺ "سئل أي النسب أشرف ؟
فقال : يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله" فالصحيح أنه قال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي، وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى بلغ إسماعيل معه السعي أمر في المنام أن يذبحه قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك قال لابنه ﴿فانظر ماذا ترى﴾ من الرأي : فشاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به قال ابن اسحق وغيره ولما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب شعب ثبير أخبره بما أمر. ﴿قال يا أبت افعل ما تؤمر﴾ أي : ما أمرت به ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ أي : على ذلك، وقرأ ﴿يا بني﴾ حفص بفتح الياء، والباقون بالكسر، وقرأ ﴿إني أرى﴾ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، والباقون بالسكون، وقرأ ﴿ماذا ترى﴾ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء، والباقون بفتحهما والحكمة في مشاورته في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله تعالى فيكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحد العظيم والصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا.