إن هذا} أي : الذبح المأمور به ﴿لهو البلاء المبين﴾ أي : الاختبار الظاهر الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم، والمحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها وقال مقاتل : البلاء ههنا النعمة وهو أن فدى ابنه بالكبش كما قال تعالى :
﴿وفديناه﴾ أي : المأمور بذبحه وهو إسماعيل وهو الأظهر، وقيل : إسحق ﴿بذبح عظيم﴾ أي : عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر ؛ لأن الله تعالى فدى به نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وهو كبش أتى به جبريل عليه السلام من الجنة وهو الذي قربه هابيل، فقال لإبراهيم : هذا فدا ولدك فاذبحه دونه، فكبر إبراهيم وكبر ولده، وكبر جبريل وكبر الكبش وأخذ إبراهيم الكبش، وأتى به المنحر من منى فذبحه، قال
٤٧١
البغوي : قال أكثر المفسرين : كان ذلك الذبح كبشاً رعى في الجنة أربعين خريفاً، وقيل : كان وعلاً أهبط عليه من ثبير، وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة.
تنبيه : الذبح مصدر ويطلق على ما يذبح وهو المراد في هذه الآية.
﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ ثناء حسناً، وقوله تعالى :﴿سلام﴾ أي : منا ﴿على إبراهيم﴾ سبق بيانه في قصة نوح عليهما السلام.
﴿كذلك﴾ أي : كما جزيناك ﴿نجزي المحسنين﴾ لأنفسهم، وقوله تعالى :
﴿إنه من عبادنا المؤمنين﴾ تعليل لإحسانه بالإيمان إظهاراً لجلالة قدره وأصالة أمره وقوله تعالى :
﴿وبشرناه بإسحق﴾ فيه دليل على أن الذبيح غيره، وقد مرت الإشارة إلى ذلك، وقوله تعالى ﴿نبياً﴾ حال مقدرة أي : يوجد مقدراً نبوته، وقوله تعالى :﴿من الصالحين﴾ يجوز أن يكون صفة لنبياً وأن يكون حالاً من الضمير في نبياً فتكون حالاً متداخلة، ويجوز أن تكون حالاً ثانية ومن فسر الذبيح بإسحق عليه السلام جعل المقصود من البشارة نبوته، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل.
﴿وباركنا عليه﴾ أي : على إبراهيم عليه السلام بتكثير ذريته ﴿وعلى إسحق﴾ بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب عليهم السلام فجميع الأنبياء بعده من صلبه إلا نبينا محمداً ﷺ فإنه من ذرية إسماعيل عليه السلام وفيه إشارة إلى أنه مفرد علم فهو ﷺ أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ﴿ومن ذريتهما محسن﴾ أي : مؤمن طائع ﴿وظالم﴾ أي : كافر وفاسق ﴿لنفسه مبين﴾ أي : ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة وعيب ولا غير ذلك والله أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٩
القصة الثالثة : قصة موسى وهارون عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى :
﴿ولقد مننا على موسى وهرون﴾ أي : أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية.
﴿ونجيناهما وقومهما﴾ أي : بني إسرائيل ﴿من الكرب﴾ أي : الغم ﴿العظيم﴾ أي : الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم، وقيل : من الغرق، والضمير في قوله تعالى :
﴿ونصرناهم﴾ يعود على موسى وهارون وقومهما، وقيل : على الإثنين بلفظ الجمع تعظيماً كقوله تعالى ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء﴾ (الطلاق : ١)
وقول الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم.
﴿فكانوا هم الغالبين﴾ أي : على فرعون وقومه في كل الأحوال، أما في أول الأمر فبظهور الحجة، وأما في آخر الأمر فبالدولة والرفعة.
تنبيه : يجوز في هم أن يكون تأكيداً، وأن يكون بدلاً، وأن يكون فصلاً وهو الأظهر.
﴿وآتيناهما الكتاب المستبين﴾ أي : المستنير البليغ البيان المشتمل على جميع العلوم
٤٧٢
المحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا وهو التوراة كما قال تعالى :﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور﴾ (المائدة : ٤٤)
﴿وهديناهما الصراط المستقيم﴾ أي : دللناهما على الطريق الموصل إلى الحق والصواب عقلاً وسمعاً.
﴿وتركنا﴾ أي : أبقينا ﴿عليهما﴾ ثناء حسناً ﴿في الآخرين﴾ ﴿سلام﴾ أي : منا ﴿على موسى وهارون﴾ ﴿إنا كذلك﴾ أي : كما جزيناهما ﴿نجزي المحسنين﴾ وقوله تعالى :
﴿إنهما من عبادنا المؤمنين﴾ تعليل لإحسانهما بالإيمان وإظهار لجلالة قدره وأصالة أمره.
القصة الرابعة قصة الياس عليه السلام المذكورة في قوله تعالى :
﴿وإن الياس لمن المرسلين﴾ روي عن ابن مسعود أنه قال : الياس هو إدريس، وهو قول عكرمة وقال أكثر المفسرين : إنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس : وهو ابن عم اليسع عليهما السلام، وقال محمد بن إسحاق : هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران عليهما السلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٩